فقال جل ثناؤه:إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [
الأحزاب:56]
وقد جاءت أحاديث كثيرة في فضل الصلاة على النبي صلى
الله عليه وسلم.. منها ما أخرجه مسلم
وأبو داود والترمذي عن أبي
هريرة رضي
الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فإنه
من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا.
وأخرج أحمد
عن
أبي هريرة
عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال
:
صلوا علي فإنها زكاة لكم، وسلوا لي الوسيلة من الجنة.
وعن عبد
الرحمن بن عوف :
قلت يا رسول الله، سجدت سجدة خشيت أن يكون الله قد قبض روحك
فيها. فقال: إن جبريل أتاني فبشرني أن الله عز وجل يقول لك: من صلى عليك صليت
عليه، ومن سلم عليك سلمت عليه. فسجدت لله شكراً.
رواه أحمد وغيره.
وأفضل الأوقات للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
يوم الجمعة وليلتها، لحديث أوس
الثقفي رضي
الله عنه قال: من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم وفيه قبض، وفيه النفخة
وفيه الصعقة. فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي.
رواه الإمام أحمد
وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وصححه.
والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من الأمور
الواجبة في العمر.. قال ابن
كثير في
تفسيره: وحكى بعضهم أنه إنما تجب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في
العمر مرة واحدة امتثالاً لأمر الآية، ثم هي مستحبة في كل حال. وهذا هو الذي نصره عياضبعدما حكى الإجماع على وجوب الصلاة
عليه صلى الله عليه وسلم في الجملة.
وعلى العموم فالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
فضلا عن كونها امتثالاً لأمر الله بها فهي أيضاً مرغب فيها لما لها من الفضل
والخير، والمحروم بل والبخيل من سمع ذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصل
عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: البخيل من ذكرت عنده ثم لم يصل علي.
رواه أحمد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
وأما بخصوص ما ذكرت من تحديد الدعاء بعد الصلاة على
النبي صلى الله عليه وسلم أو تحديدها بعده بعدد معين، فلم يرد فيه شيء، وإنما
الثابت طلبها قبل الدعاء وبعد حمد الله عز وجل، لما رواه أبو داود والترمذي والنسائي عن فضالة بن عبيد:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمع رجلاً يدعو في صلاته لم
يمجد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: عجل هذا. ثم دعاه فقال له:
أو لغيره إذا صلى "دعا" أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه عز وجل والثناء عليه،
ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بما شاء
.
الحديث
رواه الترمذي (2457) وأحمد (20736) وابن أبي شيبة في "المصنف" (8706)
وعبد بن حميد في "المسند" (170) والبيهقي في "الشعب" (1579)
عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ :
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ
أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي ؟ فَقَالَ : مَا شِئْتَ . قَالَ قُلْتُ الرُبُعَ ؟
قَالَ : مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ . قُلْتُ النِّصْفَ ؟ قَالَ :
مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ . قَالَ قُلْتُ فَالثُّلُثَيْنِ ؟
قَالَ : مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ . قُلْتُ أَجْعَلُ لَكَ
صَلَاتِي كُلَّهَا ؟ قَالَ : إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ .
قال الترمذي : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ . وحسنه
المنذري في (الترغيب والترهيب) ، وكذا حسنه الحافظ في "الفتح" (11/168)
، وأشار البيهقي في "الشعب" (2/215) إلى تقويته ، وصححه الألباني في
"صحيح الترغيب" (1670) وغيره .
قال الملا علي القاري :
" ( أجعل لك صلاتي
كلها ) أي أصرف بصلاتي عليك جميع الزمن الذي كنت أدعو فيه لنفسي . ( تكفى همك )
قال الأبهري :
أي إذا صرفت جميع زمان دعائك في الصلاة عليّ كفيت ما يهمك
.
وقال التوربشتي : معنى الحديث كم أجعل لك من
دعائي الذي أدعو به لنفسي .
فقال : ( إذن تكفى همك ) أي ما أهمك من أمر دينك
ودنياك ؛ وذلك لأن الصلاة عليه مشتملة على ذكر الله وتعظيم الرسول ، والاشتغال
بأداء حقه عن أداء مقاصد نفسه "
انتهى باختصار .
"مرقاة المفاتيح
شرح مشكاة المصابيح" (4/16- 17)
وقال ابن علان البكري رحمه الله :
" ووجه كفاية
المهمات بصرف ذلك الزمن إلى الصلاة عليه : أنها مشتملة على امتثال أمر اللّه تعالى
، وعلى ذكره وتعظيمه ، وتعظيم رسوله ، ففي الحقيقة لم يفت بذلك الصرف شيء على
المصلي ، بل حصل له بتعرضه بذلك الثناء الأعظم أفضل مما كان يدعو به لنفسه ، وحصل
له مع ذلك صلاة اللّه وملائكته عليه عشراً ، مع ما انضم لذلك من الثواب الذي لا يوازيه
ثواب ، فأيّ فوائد أعظم من هذه الفوائد ؟ ومتى يظفر المتعبد بمثلها ، فضلا عن
أنفَسَ منها ؟ وأنى يوازي دعاؤه لنفسه واحدة من تلك الفضائل التي ليس لها مماثل ؟
"
انتهى بتصرف .
"دليل الفالحين
لطرق رياض الصالحين" (5/6-7)
وقال الشوكاني رحمه الله :
" قوله : ( إذن
تكفى همك ويغفر ذنبك ) في هاتين الخصلتين جماع خير الدنيا والآخرة ؛ فإن من كفاه
الله همه سلم من محن الدنيا وعوارضها ؛ لأن كل محنة لا بد لها من تأثير الهم وإن
كانت يسيرة . ومن غفر الله ذنبه سلم من محن الآخرة ؛ لأنه لا يوبق العبد فيها إلا
ذنوبه " انتهى .
"تحفة
الذاكرين" (ص 45)
وسئل علماء اللجنة :
قول الصحابي للرسول صلى الله عليه وسلم : أفأجعل
لك صلاتي كلها ؟
فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إذا تكفى
همك ... ) إلى آخر الحديث . ما معنى : أفأجعل صلاتي لك كلها ؟
فأجابوا : " المراد بالصلاة هنا : الدعاء ،
ومعنى الحديث : الحث على الإكثار من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم
، لما في ذلك من الأجر العظيم " انتهى .
"فتاوى اللجنة
الدائمة" (24/156 - 157)
وينبغي أن تعلم أن الحديث لا يعني منع الإنسان من
الدعاء لنفسه مطلقا ، والاقتصار على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فهذا
مخالف لهديه العملي ، وإرشاده إلى الأدعية المتنوعة ، في الأحوال المختلفة ،
كأدعية الصلاة ، والصباح والمساء ، والاستخارة ،
ونحو ذلك
.
قال علماء اللجنة الدائمة :
" هذا الحديث لا
ينافي أن يدعو الإنسان ربه ويسأله أموره كلها بالأدعية المشروعة ، وأن يكثر من
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيجمع بين الأمرين " انتهى
.
"فتاوى اللجنة
الدائمة" (24/159) .
ولعل المراد بالحديث : أن كان لأبي بن كعب دعاء
معين ، يدعو به ، فسأل عن استبداله بالصلاة ، وإلى ذلك يشير قول شيخ الإسلام ابن
تيمية رحمه الله :
" هذا كان له دعاء
يدعو به ، فإذا جعل مكان دعائه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كفاه الله ما
أهمه من أمر دنياه وآخرته ؛ فإنه كلما صلى عليه مرة صلى الله عليه عشرا ، وهو لو
دعا لآحاد المؤمنين لقالت الملائكة : آمين ولك بمثله . فدعاؤه للنبي صلى الله عليه
وسلم أولى بذلك " انتهى .
"مجموع
الفتاوى" (1/193)
وقال شيخ الإسلام أيضا :
" مقصود السائل :
يا رسول الله إن لي دعاء أدعو به ، وأستجلب به الخير ، وأستدفع به الشر فكم أجعل
لك من الدعاء ؟ قال : ما شئت . فلما انتهى إلى قوله : ( أجعل لك صلاتي كلها
) قال : إذا تكفي همك ويغفر ذنبك .
وفي الرواية
الأخرى : إذا يكفيك الله ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك .
وهذا غاية ما
يدعو به الإنسان لنفسه من جلب الخيرات ودفع المضرات " انتهى
.
"مجموع
الفتاوى" (1/349-350) .
وهذا كله بتقدير صحة الحديث ، وقد أشرنا إلى من
صححه من أهل العلم ؛ وإلا فإن راوي الحديث عبد الله بن محمد بن عقيل : أكثر كلام
أئمة الحديث على تضعيفه ، وعدم الاحتجاج بحديثه ، حتى قال عنه الإمام أحمد ـ في
رواية حنبل ـ : " منكر الحديث " ، وقال يعقوب الجوزجاني : " عامة
ما يرويه غريب " .
ينطر : "تهذيب الكمال" (16/80) وما
بعدها .
وإذا قدر أن حديثه في مرتبة الحسن ، كما ذهب إليه
بعض أهل العلم ، فلا يظهر أن حاله يحتمل التفرد بمثل هذا المتن ؛ مع ما فيه من
قوله : " أجعل لك صلاتي كلها" ؛ فهو بظاهره مخالف لما رغبت فيه الشريعة
، في عامة مواردها ، من الإكثار من الدعاء ، بشتى أنواعه ، في الصلاة وخارجها ،
مطلقا كان هذا الدعاء ، أو مقيدا بوقت أو حال . ثم هو ـ بهذا الظاهر أيضا ـ مخالف
للهدي العملي للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه ، ومن بعدهم من السلف ؛ فلا يعلم
أن أحدا ترك الدعاء ، في الصلاة أو خارج ، بما يحتاجه من خير الدنيا والآخرة ،
اكتفاء بالإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .