﴿ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾
إِذَا جَاءَ
نَصْرُ اللَّـهِ وَالْفَتْحُ ﴿١﴾ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ
اللَّـهِ أَفْوَاجًا ﴿٢﴾ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ
كَانَ تَوَّابًا ﴿٣﴾
تحدثت هذه السورة عن فتح مكة ،حيث أعز الله تعالى
الإسلام ونصر المسلمين وانتشر الإسلام ،
ودخل الناس دين الله أفواجا
وارتفعت راية الحق عالية شامخة ، قال تعالى : (
( إِذَا جَاء
نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ {1} وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ
اللَّهِ أَفْوَاجاً {2}) ، وفيها أمر
بتسبيح الله وشكره واستغفاره وبيان أنه يتوب على كل من تاب من المسبحين المستغفرين
، قال تعالى:
( فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ
تَوَّاباً {3} )
(110) سورة النصر - مدنية (آياتها 3)
الآية
|
الكلمة
|
التفسير
|
1
|
جاء نصر
الله
|
عَوْنـُهُ لك على الأعداء
|
1
|
الفتح
|
فتح مكة في السنة الثامنة الهجرية
|
2
|
أفواجا
|
جَماعاتٍ جماعات كثيرة
|
3
|
فسبّح بحمد
ربّك
|
فـنـَـزّهْهُ تعالى، حامِدًا له
|
3
|
كان توّابا
|
كثير القبول لتوبة عباده
|
سورة النصر
بسم اللَّهِ الرحمن
الرحيم. نزلت في منصرف النبي r من غزوة حنين وعاش أخبرنا سعيد بن محمد المؤذن أخبرنا أبو عمر بن
أبي جعفر المقرئ أخبرنا الحسن بن سفيان أخبرنا عبد العزيز بن سلام أخبرنا إسحاق بن
عبد الله بن كيسان قال: حدثني أبي عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما أقبل رسول الله r من غزوة حنين وأنزل الله تعالى
(إِذا جاءَ نَصرُ اللهِ) قال: يا علي بن أبي طالب ويا فاطمة قولا: جاء نصر الله
والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبحان ربي وبحمده وأستغفره إنه
كان تواباً.
التعريف بالسورة :
1) سورة مدنية .
2) من المفصل .
3) آياتها 3 .
4) ترتيبها بالمصحف
العاشرة بعد المائة .
5) نزلت بعد سورة التوبة .
6) بدأت باسلوب شرط "
إذا جاء نصر الله والفتح .
7) ـ الجزء (30) ـ الحزب (
60) ـ الربع ( 8) .
محور مواضيع السورة :
يَدُورُ مِحْوَرُ
السُّورَةِ حَوْلَ فَتْحِ مَكَّةَ الَّذِي عَزَّ بـِهِ المُسْلِمُونَ ،
وَانْتَشَرَ الإِسْلاَمُ في الجَزِيرَةِ العَرَبِيـَّةِ ، وَتَقَلَّمَتْ أَظَافِرُ
الشِّرْكِ وَالضَّلاَلِ وَبِهَذَا الفَتْحِ المُبِينِ دَخَلَ النَّاسُ في دِينِ
الَّلهِ ، وَارْتـَفَعَتْ رَايَةُ الإِسْلاَمِ ، وَاضْمَحَلَّتْ مِلَّةُ
الأَصْنَامِ ، وَكَانَ الإِخْبَارُ بِفَتْحِ مَكَّةَ قَبْلَ وُقُوعِهِ ، مِنْ
أَظْهَرِ الدَّلاَئِلِ عَلَى صِدْقِ نُبُوَّتـِهِ ـ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلاَةِ
وَالسَّلاَمِ
سبب نزول السورة :
أخرج عبد الرزاق في مصنفه
عن معمر عن الزهري قال : لما دخل رسول الله مكة عام الفتح بعث خالد بن الوليد
فقاتل بمن معه صفوف قريش بأسفل مكة ، حتى هزمهم الله ، ثم أمر بالسلاح فرفع عنهم ،
ودخلوا في الدين فأنزل الله ( إذا جاء نصر الله والفتح ) حتى ختمها
فضل السورة :
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
قَالَ إِنَّ رَسُولَ الَّلهِ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابـِهِ : " هَلْ
تَزَوَّجْتَ يَا فُلاَن ؟ " قَالَ : لاَ وَالَّلهِ يَا رَسُولَ الَّلهِ ،
وَلاَ عِنْدِي مَا أَتـَزَوَّجُ بـِهِ قَالَ : " أَلَيْسَ مَعَكَ ( قُلْ هُوَ
الَّلهُ أَحَدٌ ؟ ) " قَالَ : بَلَى ، قَالَ : " ثُلُثُ القُرآنِ "
، قَالَ : " أَلَيْسَ مَعَكَ إِذَا جَاءَ نَصْرُ الَّلهِ وَالفَتْحُ ؟ "
قَالَ : بَلَى ، قَالَ : " رُبـْعُ القُرآنِ " ، قَالَ ، "
أَلَيْسَ مَعَكَ قُلْ يَأَيـُّهَا الكَافِرُونَ ؟ " قَالَ : بَلَى ، قَالَ :
" رُبـْعُ القُرآنِ " ، قَالَ : " أَلَيْسَ مَعَكَ إِذَا
زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا ؟ " قَالَ : بَلَى ، قَالَ : " رُبـْعُ
القُرآنِ ، تـَزَوَّجْ " ( أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ ).
كثير بن تفسير
وهي مدنية.
قد تقدم أنها تعدل ربع القرآن، و ( إِذَا زُلْزِلَتِ )
تعدل ربع القرآن.
وقال النسائي:أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، أخبرنا
جعفر، عن أبي العُمَيس ( ح ) وأخبرنا محمد بن سليمان، حدثنا جعفر بن عون، حدثنا
أبو العُمَيس، عن عبد المجيد بن سهيل عن عُبَيد الله بن عبد الله بن عتبة قال:قال
لي ابن عباس:يا ابن عتبة، أتعلم آخر سورة من القرآن نـزلت ؟ قلت:نعم، ( إِذَا
جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) قال:صدقت
وروى الحافظ أبو بكر البزار والبيهقي، من حديث موسى بن
عبيدة الرّبذي عن صدقة بن يَسَار، عن ابن عمر قال:أنـزلت هذه السورة: إِذَا جَاءَ
نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أوسط أيام التشريق،
فعرف أنه الوداع، فأمر براحلته القصواء فَرحَلت، ثم قام فخطب الناس، فذكر خطبته
المشهورة
وقال الحافظ البيهقي:أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان،
أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار، حدثنا الأسفاطي، حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا عباد بن
العوام، عن هلال بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:لما نـزلت: « إِذَا جَاءَ
نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ » دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة وقال: « إنه
قد نُعِيت إليّ نفسي » ، فبكت ثم ضحكت، وقالت:أخبرني أنه نُعيت إليه نفسُه فبكيت،
ثم قال: « اصبري فإنك أول أهلي لحاقًا بي » فضحكت
وقد رواه النسائي - كما سيأتي- بدون ذكر فاطمة.
بسم الله الرحمن الرحيم
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ( 1 )
وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ( 2 ) فَسَبِّحْ
بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ( 3 )
قال البخاري:حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبو عَوانة،
عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس قال:كان عمر يُدخلني مع أشياخ بدر،
فكأن بعضهم وَجَد في نفسه، فقال: لم يَْخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر:إنه
ممن قد علمتم فدعاهم ذات يوم فأدخله معهم، فما رُؤيتُ أنه دعاني فيهم يومئذ إلا
ليُريهم فقال:ما تقولون في قول الله، عز وجل: ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ
وَالْفَتْحُ ) ؟ فقال بعضهم:أمرنا أن نَحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفُتح علينا.
وسكت بعضهم فلم يقل شيئًا، فقال لي:أكذلك تقول يا ابن عباس؟ فقلت:لا. فقال:ما
تقول؟ فقلت:هو أجلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له، قال: ( إِذَا جَاءَ
نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) فذلك علامة أجلك، ( فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ
وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ) فقال عمر بن الخطاب:لا أعلم منها إلا
ما تقول. تفرد به البخاري
وروى ابن جرير، عن محمد بن حُمَيد، عن مِهْران، عن
الثوري، عن عاصم، عن أبي رَزِين، عن ابن عباس، فذكر مثل هذه القصة، أو نحوها .
وقال الإمام أحمد:حدثنا محمد بن فُضَيل، حدثنا عطاء، عن
سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس قال:لما نـزلت: ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ
وَالْفَتْحُ ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « نُعِيَت إليّ نفسي » .. بأنه
مقبوض في تلك السنة. تفرد به أحمد .
وروى العوفي، عن ابن عباس، مثله. وهكذا قال مجاهد، وأبو
العالية، والضحاك، وغير واحد:إنها أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم نُعِي إليه.
وقال ابن جرير:حدثني إسماعيل بن موسى، حدثنا الحسين بن
عيسى الحنفي عن مَعْمَر، عن الزهري، عن أبي حازم، عن ابن عباس قال:بينما رسول الله
صلى الله عليه وسلم في المدينة إذ قال: « الله أكبر، الله أكبر! جاء نصر الله
والفتح، جاء أهل اليمن » . قيل:يا رسول الله، وما أهل اليمن؟ قال: « قوم رقيقة
قلوبهم، لينة طباعهم، الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية »
ثم رواه عن ابن عبد الأعلى، عن ابن ثور، عن معمر، عن
عكرمة، مرسلا.
وقال الطبراني:حدثنا زكريا بن يحيى، حدثنا أبو كامل
الجَحْدَريّ، حدثنا أبو عَوَانة، عن هلال بن خَبَّاب، عن عكرمة، عن ابن عباس
قال:لما نـزلت: ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) حتى ختم السورة،
قال:نُعِيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه حين نـزلت، قال:فأخذ بأشد ما كان
قط اجتهادًا في أمر الآخرة. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: « جاء
الفتحُ ونصر الله، وجاء أهل اليَمن » . فقال رجل:يا رسول الله، وما أهل اليمن؟
قال: « قوم رقيقة قلوبهم، لينة قلوبهم، الإيمان يمان، والفقه يَمان » .
وقال الإمام أحمد:حدثنا وَكيع، عن سفيان، عن عاصم، عن
أبي رَزين، عن ابن عباس قال:لما نـزلت: ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ
) علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد نُعِيت إليه نفسه، فقيل: ( إِذَا جَاءَ
نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) السورة كلها .
حدثنا وَكيع، عن سفيان، عن عاصم، عن أبي رَزِين:أن عمر
سأل ابن عباس عن هذه الآية: ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) قال:لما
نـزلت نُعيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه
وقال الطبراني:حدثنا إبراهيم بن أحمد بن عُمَر الوكيعي،
حدثنا أبي، حدثنا جَعفر بن عون، عن أبي العُمَيس، عن أبي بكر بن أبي الجهم، عن
عُبَيد الله بن عَبد الله بن عتبة، عن ابن عباس قال:آخر سورة نـزلت من القرآن
جميعًا: ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) .
وقال الإمام أحمد أيضًا:حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة،
عن عمرو بن مُرّة، عن أبي البَختُري الطائي ، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه قال:لما نـزلت هذه السورة: ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ
وَالْفَتْحُ ) قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ختمها، فقال: « الناس حيز،
وأنا وأصحابي حيز » . وقال: « لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية » . فقال له
مَرْوان:كذبت - وعنده رافع بن خَديج، وزيد بن ثابت، قاعدان معه على السرير - فقال
أبو سعيد:لو شاء هذان لحدثاك، ولكن هذا يخاف أن تنـزعه عن عرافة قومه، وهذا يخشى أن
تنـزعه عن الصدقة. فرفع مروان عليه الدرة ليضربه، فلما رأيا ذلك قالا صدق .
تفرد به أحمد، وهذا الذي أنكره مروان على أبي سعيد ليس
بمنكر، فقد ثبت من رواية ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الفتح:
« لا هجرة، ولكن جهاد ونية، ولكن إذا استنفرتم فانفروا » . أخرجه البخاري ومسلم في
صحيحيهما .
فالذي فسر به بعض الصحابة من جلساء عمر، رضي الله عنهم
أجمعين، مِنْ أنه قد أمرنا إذا فتح الله علينا المدائن والحصون أن نحمد الله
ونشكره ونسبحه، يعني نصلي ونستغفره - معنى مليح صحيح، وقد ثبت له شاهد من صلاة
النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وقت الضحى ثماني ركعات، فقال قائلون:هي صلاة
الضحى. وأجيبوا بأنه لم يكن يواظب عليها، فكيف صلاها ذلك اليوم وقد كان مسافرًا لم
يَنْو الإقامة بمكة؟ ولهذا أقام فيها إلى آخر شهر رمضان قريبًا من تسعة عشر يومًا
يقصر الصلاة ويُفطر هو وجميع الجيش، وكانوا نحوًا من عشرة آلاف. قال هؤلاء:وإنما
كانت صلاة الفتح، قالوا:فيستحب لأمير الجيش إذا فتح بلدًا أن يصلي فيه أول ما
يدخله ثماني ركعات. وهكذا فعل سعد بن أبي وقاص يوم فتح المدائن، ثم قال
بعضهم:يصليها كلها بتسليمة واحدة. والصحيح أنه يسلم من كل ركعتين، كما ورد في سنن
أبي داود:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم يوم الفتح من كل ركعتين. وأما
ما فسر به ابن عباس وعمر، رضي الله عنهما، من أن هذه السورة نُعِي فيها إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم نفسه الكريمة، واعلم أنك إذا فتحت مكة - وهي قريتك التي أخرجتك-
ودخل الناس في دين الله أفواجًا، فقد فرغ شغلنا بك في الدنيا، فتهيأ للقدوم علينا
والوفود إلينا، فالآخرة خير لك من الدنيا، ولسوف يعطيك ربك فترضى، ولهذا قال: (
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ) .
قال النسائي:أخبرنا عمرو بن منصور، حدثنا محمد بن محبوب،
حدثنا أبو عوانة، عن هلال ابن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:لما نـزلت: ( إِذَا
جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) إلى آخر السورة، قال:نُعيت لرسول الله صلى
الله عليه وسلم نفسُه حين أنـزلت، فأخذ في أشدّ ما كان اجتهادًا في أمر الآخرة،
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: « جاء الفتح، وجاء نصر الله، وجاء أهل
اليمن » . فقال رجل:يا رسول الله، وما أهل اليمن؟ قال: « قوم رقيقة قلوبهم،
لَيِّنة قلوبهم، الإيمان يَمانٍ، والحكمة يمانية، والفقه يمان » .
وقال البخاري:حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جَرير، عن
منصور، عن أبي الضحَى، عن مسروق، عن عائشة قالت:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: « سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي » يتأول
القرآن.
وأخرجه بقية الجماعة إلا الترمذي، من حديث منصور، به .
وقال الإمام أحمد:حدثنا محمد بن أبي عدي، عن داود، عن
الشعبي، عن مسروق قال:قالت عائشة:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر في آخر
أمره من قول: « سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه » . وقال: « إن ربي كان
أخبرني أني سأرى علامة في أمتي، وأمرني إذا رأيتها أن أسبح بحمده وأستغفره، إنه
كان توابا، فقد رأيتها: ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ
النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ
وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ) »
ورواه مسلم من طريق داود - وهو ابن أبي هند- به .
وقال ابن جرير:حدثنا أبو السائب، حدثنا حفص، حدثنا عاصم،
عن الشعبي، عن أم سلمة قالت:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر أمره لا يقوم
ولا يقعد، ولا يذهب ولا يجيء، إلا قال: « سبحان الله وبحمده » . فقلت:يا رسول الله،
إنك تكثر من سبحان الله وبحمده، لا تذهب ولا تجيء، ولا تقوم ولا تقعد إلا
قلت:سبحان الله وبحمده؟ قال: « إني أمرت بها » ، فقال: ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ
اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) إلى آخر السورة .
غريب، وقد كتبنا حديث كفارة المجلس من جميع طرقه وألفاظه
في جزء مُفرد، فيكتب هاهنا .
وقال الإمام أحمد:حدثنا وَكيع، عن إسرائيل، عن أبي
إسحاق، عن أبي عُبَيدة، عن عبد الله قال:لما نـزلت على رسول الله صلى الله عليه
وسلم: ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) كان يكثر إذا قرأها - ورَكَعَ-
أن يقول: « سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الرحيم »
ثلاثا .
تفرد به أحمد. ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه، عن عمرو بن
مُرّة، عن شعبة، عن أبي إسحاق، به.
والمراد بالفتح هاهنا فتح مكة قولا واحدًا، فإن أحياء
العرب كانت تَتَلَوّم بإسلامها فتح مكة، يقولون:إن ظهر على قومه فهو نبي. فلما فتح
الله عليه مكة دخلوا في دين الله أفواجًا، فلم تمض سنتان حتى استوسقت جزيرة العرب
إيمانًا، ولم يبق في سائر قبائل العرب إلا مظهر للإسلام، ولله الحمد والمنة. وقد
روى البخاري في صحيحه عن عمرو بن سلمة قال:لما كان الفتح بادر كل قوم بإسلامهم إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت الأحياء تَتَلَوّمُ بإسلامها فتح مكة،
يقولون:دعوه وقومه، فإن ظهر عليهم فهو نبي. الحديث وقد حَرّرنا غزوة الفتح في
كتابنا:السيرة، فمن أراد فليراجعه هناك، ولله الحمد والمنة.
وقال الإمام أحمد:حدثنا معاوية بن عمرو، حدثنا أبو
إسحاق، عن الأوزاعي، حدثني أبو عمار، حدثني جار لجابر بن عبد الله قال:قدمت من سفر
فجاءني جابر بن عبد الله، فسلم عليّ ، فجعلت أحدّثهُ عن افتراق الناس وما أحدثوا،
فجعل جابر يبكي، ثم قال:سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن الناس
دخلوا في دين الله أفواجًا، وسيخرجون منه أفواجًا » .
[ آخر تفسير سورة « إذا جاء نصر الله والفتح » ولله
الحمد والمنة ]
الجلالين تفسير
1. ( إذا
جاء نصر الله ) نبيه صلى الله عليه وسلم على أعدائه ( والفتح ) فتح مكة
2. ( ورأيت الناس يدخلون في
دين الله ) أي الإسلام ( أفواجا ) جماعات بعد ما كان يدخل فيه واحد واحد وذلك بعد
فتح مكة جاءه العرب من أقطار الأرض طائعين
3. ( فسبح بحمد ربك ) أي
متلبساً بحمده ( واستغفره إنه كان توابا ) وكان صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه
السورة يكثر من قول: سبحان الله وبحمده وأستغفر الله وأتوب إليه ، وعلم بها أنه قد
اقترب أجله وكان فتح مكة في رمضان سنة ثمان وتوفي صلى الله عليه وسلم في ربيع
الأول سنة عشر
القرطبي تفسير
الآية: 1 ( إذا جاء نصر الله والفتح
)
النصر: العون مأخوذ من قولهم: قد نصر الغيث الأرض: إذا
أعان على نباتها، من قحطها. قال الشاعر:
إذا انسلخ الشهر الحرام فودعي بلاد تميم وأنصري أرض عامر
ويروى:
إذا دخل الشهر الحرام فجاوزي بلاد تميم وأنصري أرض عامر
يقال: نصره على عدوه ينصره نصرا؛ أي أعانه. والاسم
النصرة، واستنصره على عدوه: أي سأله أن ينصره عليه. وتناصروا: نصر بعضهم بعضا. ثم
قيل: المراد بهذا النصر نصر الرسول على قريش؛ الطبري. وقيل: نصره على من قاتله من
الكفار؛ فإن عاقبة النصر كانت له. وأما الفتح فهو فتح مكة؛ عن الحسن ومجاهد
وغيرهما. وقال ابن عباس وسعيد بن جبير: هو فتح المدائن والقصور. وقيل: فتح سائر
البلاد. وقيل: ما فتحه عليه من العلوم. و « إذا » بمعنى قد؛ أي قد جاء نصر الله؛
لأن نزولها بعد الفتح. ويمكن أن يكون معناه: إذا يجيئك.
الآية: 2 ( ورأيت الناس يدخلون في
دين الله أفواجا )
قوله تعالى: « ورأيت الناس » أي العرب وغيرهم. « يدخلون
في دين الله أفواجا » أي جماعات: فوجا بعد فوج. وذلك لما فتحت مكة قالت العرب: أما
إذا ظفر محمد بأهل الحرم، وقد كان الله أجارهم من أصحاب الفيل، فليس لكم به يدان.
فكانوا يسلمون أفواجا: أمة أمة. قال الضحاك: والأمة: أربعون رجلا. وقال عكرمة
ومقاتل: أراد بالناس أهل اليمن. وذلك أنه ورد من اليمن سبعمائة إنسان مؤمنين
طائعين، بعضهم يؤذنون، وبعضهم يقرؤون القرآن، وبعضهم يهللون؛ فسر النبي صلى الله
عليه وسلم لك، وبكى عمر وابن عباس. وروى عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه
وسلم قرأ: « إذا جاء نصر الله والفتح » وجاء أهل اليمن رقيقة أفئدتهم، لينة
طباعهم، سخية قلوبهم، عظيمة خشيتهم، فدخلوا في دين الله أفواجا. وفي صحيح مسلم عن
أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أتاكم أهل اليمين، هم أضعف
قلوبا، وأرق أفئدة الفقه يمان، والحكمة يمانية ) . وروى أنه صلى الله عليه وسلم
قال: ( إني لأجد نفس ربكم من قبل اليمين ) وفيه تأويلان: أحدهما: أنه الفرج؛
لتتابع إسلامهم أفواجا. والثاني: معناه أن الله تعالى نفس الكرب عن نبيه صلى الله
عليه وسلم بأهل اليمن، وهم الأنصار. وروى جابر بن عبدالله قال: سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: ( إن الناس دخلوا في دين الله أفواجا، وسيخرجون منه أفواجا )
ذكره الماوردي، ولفظ الثعلبي: وقال أبو عمار حدثني جابر لجابر، قال: سألني جابر عن
حال الناس، فأخبرته عن حال اختلافهم وفرقتهم؛ فجعل يبكي ويقول: سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: ( إن الناس دخلوا في دين الله أفواجا، وسيخرجون من دين الله
أفواجا ) .
الآية: 3 ( فسبح بحمد ربك واستغفره
إنه كان توابا )
قوله تعالى: « فسبح بحمد ربك واستغفره » أي إذا صليت
فأكثر من ذلك. وقيل: معنى سبح: صل؛ عن ابن عباس: « بحمد ربك » أي حامدا له على ما
آتاك من الظفر والفتح. « واستغفره » أي سل الله الغفران. وقيل: « فسبح » المراد
به: التنزيه؛ أي نزهه عما لا يجوز عليه مع شكرك له. « واستغفره » أي سل الله
الغفران مع مداومة الذكر. والأول أظهر. روى الأئمة واللفظ للبخاري عن عائشة رضي
الله عنها قالت: ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة بعد أن نزلت عليه سورة
« إذا جاء نصر الله والفتح » إلا يقول: ( سبحانك ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي )
وعنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: (
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي ) . يتأول القرآن. وفي غير الصحيح: وقالت
أم سلمة: كان النبي صلى الله عليه وسلم آخر أمره لا يقوم ولا يقعد ولا يجيء ولا
يذهب إلا قال: ( سبحان الله وبحمده، استغفر الله وأتوب إليه - قال - فإني أمرت بها
- ثم قرأ - « إذا جاء نصر الله والفتح » إلى آخرها ) . وقال أبو هريرة: اجتهد
النبي بعد نزولها، حتى تورمت قدماه. ونحل جسمه، وقل تبسمه، وكثر بكاؤه. وقال عكرمة:
لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قط أشد اجتهادا في أمور الآخرة ما كان منه عند
نزولها. وقال مقاتل: لما نزلت قرأها النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه، ومنهم
أبو بكر وعمر وسعد بن أبي وقاص، ففرحوا واستبشروا، وبكى العباس؛ فقال له النبي صلى
الله عليه وسلم: ( ما يبكيك يا عم؟ ) قال: نعيت إليك نفسك. قال: ( إنه لكما تقول )
؛ فعاش بعدها ستين يوما، ما رئي فيها ضاحكا مستبشرا. وقيل: نزلت في منى بعد أيام
التشريق، حجة الوداع، فبكى عمر والعباس، فقيل لهما: إن هذا يوم فرح، فقالا: بل فيه
نعي النبي صلى الله عليه وسلم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( صدقتما، نعيت
إليّ نفسي ) . وفي البخاري وغيره عن ابن عباس قال: كان عمر بن الخطاب يأذن لأهل
بدر، ويأذن لي معهم. قال: فوجد بعضهم من ذلك، فقالوا: يأذن لهذا الفتى معنا ومن
أبنائنا من هو مثله فقال لهم عمر: إنه من قد علمتم. قال: فأذن لهم ذات يوم، وأذن
لي معهم، فسألهم عن هذه السورة: « إذا جاء نصر الله والفتح » فقالوا: أمر الله جل
وعز نبيه صلى الله عليه وسلم إذا فتح عليه أن يستغفره، وأن يتوب إليه. فقال: ما
تقول يا ابن عباس؟ قلت: ليس كذلك، ولكن أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم حضور
أجله، فقال: « إذا جاء نصر الله والفتح » ، فذلك علامة موتك. « فسبح بحمد ربك
واستغفره إنه كان توابا » . فقال عمر رضي الله عنه: تلومونني عليه؟ وفي البخاري
فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما تقول. ورواه الترمذي، قال: كان عمر يسألني مع أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له عبدالرحمن بن عوف: أتسأله ولنا بنون مثله؟ فقال
له عمر: إنه من حيث نعلم. فسأله عن هذه الآية: « إذا جاء نصر الله والفتح » .
فقلت: إنما هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعلمه إياه؛ وقرأ السورة إلى
آخرها. فقال له عمر: والله ما أعلم منها إلا ما تعلم. قال: هذا حديث حسن صحيح. فإن
قيل: فماذا يغفر للنبي صلى الله عليه وسلم حتى يؤمر بالاستغفار؟ قيل له: كان النبي
صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: ( رب اغفر في خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري
كله، وما أنت أعلم به مني. اللهم اغفر لي خطئي وعمدي، وجهلي وهزلي، وكل ذلك عندي.
اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أعلنت وما أسررت، أنت المقدم وأنت المؤخر،
إنك على شيء قدير ) . فكان صلى الله عليه وسلم يستقصر نفسه لعظم ما أنعم الله به
عليه، ويرى قصوره عن القيام بحق ذلك ذنوبا. ويحتمل أن يكون بمعنى: كن متعلقا به،
سائلا راغبا، متضرعا على رؤية التقصير في أداء الحقوق؛ لئلا ينقطع إلى رؤية
الأعمال. وقيل: الاستغفار تَعَبُدٌ يجب إتيانه، لا للمغفرة، بل تعبدا. وقيل: ذلك
تنبيه لأمته، لكيلا يأمنوا ويتركوا الاستغفار. وقيل: « واستغفره » أي استغفر
لأمتك.
قوله تعالى: « إنه كان توابا » أي على المسبحين
والمستغفرين، يتوب عليهم ويرحمهم، ويقبل توبتهم. وإذا كان عليه السلام وهو معصوم
يؤمر بالاستغفار، فما الظن بغيره؟ روى مسلم عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يكثر من قوله: ( سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه ) . فقال: (
خَبّرني ربي أني سأرى علامة في أمتي، فإذا رأيتها أكثرت من قول سبحان الله وبحمده،
أستغفر الله وأتوب إليه، فقد رأيتها: « إذا جاء نصر الله والفتح » - فتح مكة - «
ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا. فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا » )
. وقال ابن عمر: نزلت هذه السورة بمنى في حجة الوداع؛ ثم نزلت « اليوم أكملت لكم
دينكم وأتممت عليكم نعمتي » [ المائدة: 3 ] فعاش بعدهما النبي صلى الله عليه وسلم
ثمانين يوما. ثم نزلت آية الكلالة، فعاش بعدها خمسين يوما. ثم نزل « لقد جاءكم
رسول من أنفسكم » [ التوبة: 128 ] فعاش بعدها خمسة وثلاثين يوما. ثم نزل « واتقوا
يوما ترجعون فيه إلى الله » فعاش بعدها أحدا وعشرين يوما. وقال مقاتل سبعة أيام.
وقيل غير هذا مما تقدم في « البقرة » بيانه، والحمد الله.