بعثه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى البصرة، ليعلم أهلها أمور دينهم، وفي البصرة أقبل عليه أهلها يتعلمون منه، وكانوا يحبونه حبًّا شديدًا، لورعه وتقواه، وزهده، حتى قال الحسن البصري وابن سيرين -رضي الله
عنهما-: ما قدم البصرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد يفضل عمران بن حصين.
ولاه أمير البصرة أمر القضاء مدة من الزمن، ثم طلب من الأمير أن يعفيه من القضاء، فأعفاه، فقد أراد ألا يشغله عن العبادة شاغل حتى ولو كان ذلك الشاغل هو القضاء. ولما وقعت الفتنة بين المسلمين وقف عمران بن حصين محايدًا لا يقاتل مع أحد ضد الآخر، وراح يدعو الناس أن يكفوا عن الاشتراك في تلك الحرب، ويقول: لأن أرعى غنمًا على رأس جبل حتى يدركني الموت، أحب إليَّ من أن أرمي في أحد الفريقين بسهم، أخطأ أم أصاب. وكان يوصي من يلقاه من المسلمين قائلاً: الزم مسجدك، فإن دُخل عليك فالزم بيتك، فإن دخل عليك بيتك من يريد نفسك ومالك فقاتله.
ويضرب عمران بن حصين أروع مثل في الصبر وقوة الإيمان، وذلك حين أصابه مرض شديد ظل يعاني منه ثلاثين عامًا، لم يقنط ولم ييأس من رحمة الله، وما ضجر من مرضه ساعة، ولا قال: أف قط، بل ظل صابرًا محافظًا على عبادة الله، قائمًا وقاعدًا وراقدًا وهو يقول: إن أحب الأشياء إلى نفسي أحبها إلى الله. وأوصى حين أدركه الموت قائلاً: من صرخت عليَّ، فلا وصية لها. وظل عمران بن حصين بالبصرة حتى توفي بها عام (52هـ) وقيل: ( 53هـ)