(قال الفقيه) رضي اللَّه تعالى عنه: قد جمع النبي صلى اللَّه عليه وسلم جميع الخيرات في هذه الأشياء وهي ستة.أولها قال "اصدقوا إذا حدثتم" فقد دخل فيه كلمة التوحيد وغيرها يعني إذا شهد أن لا إله إلاّ اللَّه يكون قوله صادقاً من نفسه ويكون صادقاً في حديثه مع الناس. وقوله "أوفوا إذا وعدتم" يعني الوعد الذي بينه وبين اللَّه تعالى والوعد الذي بينه وبين الناس، فأما الوعد الذي بينه وبين اللَّه تعالى فإنه يثبت على إيمانه إلى الموت، وأما الذي بينه وبين الناس فهو أن يفي بجميع ما وعدهم. وقوله "وأدوا إذا ائتمنتم" فالأمانة على وجهين: أحدهما بينه وبين اللَّه تعالى، والآخر بينه وبين الناس.فأما الذي بينه وبين الله تعالى فهي الفرائض التي افترضها اللَّه على عباده وهي أمانة اللَّه عنده فوجب عليه أن يؤديها في وقتها. وأما الأمانة بينه وبين الناس فهو أن يأتمنه رجل على ماله أو على قول أو على غير ذلك فيجب عليه أن يفي بأمانته. وقوله "واحفظوا فروجكم" فالحفظ على وجهين: أحدهما أن يحفظ فرجه عن الحرام والشبهة، والثاني أن يحفظ فرجه حتى لا يقع بصر أحد عليه لأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: "لعن اللَّه الناظر والمنظور إليه" فالواجب على المسلم أن يتعاهد نفسه في وقت الاستنجاء لكيلا ينظر إليه من لا يحل له النظر إليه من الرجال والنساء. وقوله {وغضوا أبصاركم} يعني غضوا أبصاركم عن عورات الناس وعن النظر إلى محاسن المرأة التي لا يحل لكم النظر إليها وعن النظر إلى الدنيا بعين الرغبة كما قال اللَّه تعالى {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} وقوله {وكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ} أي عن الحرام من الأموال وغير ذلك.
(وقال الفقيه) رضي اللَّه تعالى عنه: حدثنا أبو جعفر. حدثنا محمد بن الفضل. حدثنا أبو حذيفة بالبصرة. حدثنا سفيان. حدثنا عبد الرحمن بن عباس قال: حدثني ناس من أصحاب عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تعالى عنه أنه قال: "أصدق الحديث كلام الله، وأشرف الحديث ذكر الله، وشر العمى عمى القلب، وما قلّ وكفى خير مما أكثر وألهى، وشر الندامة ندامة يوم القيامة، وخير الغنى عنى النفس، وخير الزاد التقوى، والخمر جماع الإثم، والنساء حبائل الشيطان، والشباب شعبة من الجنون، وشر المكاسب كسب الربا، وأعظم الخطايا اللسان الكذوب". قال: حدثنا محمد بن الفضل. حدثنا محمد بن جعفر. حدثنا إبراهيم بن يوسف. حدثنا سفيان بن أبي حصين يبلغ به
إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: "الكذب لا يصلح إلا في ثلاث: في الحرب لأن الحرب خدعة. والرجل يصلح به بين اثنين، والرجل يصلح به بينه وبين امرأته".
وروى عن بعض التابعين أنه قال: أعلم أن الصدق زين الأولياء، وأن الكذب علامة الاشقياء كما بين اللَّه تعالى في كتابه قال اللَّه تعالى {هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّه وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ. وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ المُتَّقُونَ. لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} وقد ذم الكاذبين ولعنهم فقال عز من قائل {قُتِلَ الخَرَّاصُونَ} يعني لعن الكذابون {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّه الكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ}.
باب الغيبة
(قال الفقيه) رضي اللَّه تعالى عنه: ذكر عن بعض المتقدمين أنه قال: لو قلت إن فلانا ثوبه قصير أو ثوبه طويل يكون غيبة فكيف إذا ذكرت عن نفسه قال: حدثنا محمد بن الفضل. حدثنا محمد بن جعفر. حدثنا إبراهيم بن يوسف. حدثنا يحيى بن سليم عن سلمان القاضي عن محمد بن الفضيل العابد عن ابن أبي نجيح قال: "بلغنا أن امرأة قصيرة دخلت على النبي صلى اللَّه عليه وسلم فلما خرجت قالت عائشة رضي اللَّه تعالى عنها ما أقصرها فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم اغتبتيها. قالت عائشة ما قلت إلاّ ما فيها. قال: ذكرت أقبح ما فيها" قال: حدثنا محمد بن الفضيل. حدثنا محمد بن جعفر عن إبراهيم. حدثنا عبد الوهاب بن عطاء عن أبي محمد الجماني عن أبي هرون العبدي عن أبي سعيد الخدري رضي اللَّه تعالى عنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: "ليلة أسرى بي إلى السماء مررت بقوم يقطع اللحم من جنوبهم ثم يلقمونه ثم يقال لهم كلوا ما كنتم تأكلون من لحم أخيكم، فقلت يا جبريل من هؤلاء؟ قال هؤلاء من أمتك الهمازون اللمازون" يعني المغتابين.
(قال الفقيه) رحمه اللَّه تعالى: سمعت أبي يحكي قال: "كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم في المنزل وأصحابه في المسجد من أهل الصُفَّة وزيد بن ثابت يحدثهم بما سمع من النبي صلى اللَّه عليه وسلم من الأحاديث فأتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بلحم فقالوا لزيد بن ثابت ادخل على النبي صلى اللَّه عليه وسلم وقل إنا لم نأكل اللحم منذ كذا وكذا لكي يبعث إلينا بشيء من ذلك اللحم، فلما قام زيد بن ثابت من عندهم قالوا فيما بينهم إن زيدا قد لقي النبي صلى اللَّه عليه وسلم مثل ما لقينا فكيف يجلس ويحدثنا؟ فلما دخل زيد على النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأدّى الرسالة قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم قل لهم قد أكلتم اللحم الآن، فرجع إليهم وأخبرهم به قالوا والله ما أكلنا اللحم منذ كذا، فرجع إليه وأخبره فقال إنهم قد أكلوا الآن فرجع إليهم وأخبرهم فقاموا فدخلوا على النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال لهم الآن قد أكلتم لحم أخيكم وأثر اللحم في أسنانكم فابزقوا حتى تروا حمرة اللحم، فبزقوا الدم فتابوا ورجعوا عن ذلك واعتذروا إليه".
وروى عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما في هذه الآية {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} قال: نزلت في رجلين من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وذلك أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم ضم مع كل رجلين غنيين في السفر رجلاً من أصحابه قليل الشيء ليصيب معهما من طعامهما ويتقدمهما في المنازل ويهيئ لهما المنزل وما يصلح لهما وقد كان ضم سلمان إلى رجلين، فنزل منزلا من المنازل ذات يوم ولم يهيئ لهما شيئاً فقالا له اذهب إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فسل لنا فضل إدام؟ فانطلق فقال أحدهما لصاحبه حين غاب عنهما إنه لو انتهى إلى بئر كذا لقلّ الماء، فلما انتهى إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وبلغه الرسالة قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: قل لهما قد أكلتما الإدام، فأتاهما فأخبرهما فأتياه فقالا ما أكلنا من إدام؟ فقال إني لأرى حمرة اللحم في أفواهكما، فقالا لم يكن عندنا شيء وما أكلنا لحما اليوم، فقال لهما إنكما اغتبتما أخاكما، ثم قال لهما أتحبان أن تأكلا لحما ميتا؟ فقالا: لا، فقال لهما فكما كرهتما أن تأكلا لحما ميتا فلا تغتابا فإنه من اغتاب أخاه فقد أكل لحمه فنزلت {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً}. وروى عن الحسن البصري أن رجلاً قال: إن فلانا قد اغتابك فبعث إليه طبقا من الرطب وقال بلغني أنك أهديت إليّ حسناتك فأردت أن أكافئك عليها فاعذرني فإني لا أقدر أن أكافئك بها على التمام. وذكر عن إبراهيم بن أدهم رحمه اللَّه تعالى أنه أضاف أناسا فلما قعدوا على الطعام جعلوا يتناولون رجلا. قال إبراهيم: إن الذين كانوا قبلنا كانوا يأكلون الخبز قبل اللحم وأنتم بدأتم باللحم قبل الخبز. وذكر عن أبي أمامة الباهلي رضي اللَّه تعالى عنه أنه قال: إن العبد ليعطي كتابه يوم القيامة فيرى فيه حسنات لم يكن عملها، فيقول يارب من أين لي هذا؟ فيقول هذا بما اغتابك الناس وأنت لا تشعر وذكر عن إبراهيم بن أدهم أنه قال: يا مكذب بخلت بدنياك على أصدقائك وسخوت بآخرتك على أعدائك فلا أنت فيما بخلت به معذور ولا أنت فيما سخوت به محمود. وذكر عن بعض الحكماء أنه قال: الغيبة فاكهة القراء وضيافة الفساق ومراتع النساء وإدام كلاب الناس ومزابل الأتقياء.
وروى أنس بن مالك رضي اللَّه تعالى عنه عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال "أربع يفطرن الصائم وينقضن الوضوء ويهدمن العمل: الغيبة، الكذب، والنميمة، والنظر إلى محاسن المرأة التي لا يحل له النظر اليها، وهن يسقين أصول الشر كما يسقي الماء أصول الشجر، وشرب الخمر يعلو الخطايا". قال كعب الأحبار: قرأت في كتب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أن من مات تائبا من الغيبة كان آخر من يدخل الجنة، ومن مات مصرّا عليها كان أول من يدخل النار. وذكر عن عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام أنه قال لأصحابه أرأيتم لو أتيتم على رجل نائم قد كشفت الريح عن بعض عورته كنتم تسترون عليه؟ قالوا نعم، قال بل كنتم تكشفون البقية. قالوا سبحان اللَّه كيف نكشف البقية؟ قال أليس يذكر عندكم الرجل فتذكرونه بأسوأ ما فيه، فأنتم تكشفون بقية الثوب عن عورته. وروى خالد الربعي قال: كنت في المسجد الجامع فتناولوا رجلا فنهيتهم عن ذلك فكفوا وأخذوا في غيره ثم عادوا إليه، فدخلت معهم في شيء من أمره فرأيت تلك الليلة في المنام كأني أتاني رجل أسود طويل ومعه طبق عليه قطعة من لحم خنزير، فقال لي كل فقلت آكل لحم الخنزير، والله لا آكله فانتهرني انتهارا شديدا، وقال قد أكلت ما هو شر منه فجعل يدسه في فمي حتى استيقظت من منامي، فوالله لقد مكثت ثلاثين يوما أو أربعين يوما ما أكلت طعاما إلاّ وجدت طعم ذلك اللحم ونتنه في فمي. قال سفيان بن الحصين: كنت جالسا عند إياس بن معاوية فمرّ رجل فنلت منه فقال اسكت، ثم قال لي سفيان هل غزوت الروم؟ قلت لا قال هل غزوت الترك؟ قلت لا قال سلم منك الروم وسلم منك الترك ولم يسلم منك أخوك المسلم. قال: فما عدت إلى ذلك بعد. وروي عن حاتم الزاهد رحمه اللَّه تعالى قال: ثلاثة إذا كن في مجلس فالرحمة عنهم مصروفة: ذكر الدنيا والضحك والوقيعة في الناس. وعن يحيى بن معاذ الرازي قال: ليكن حظ المؤمن منك ثلاث خصال لتكون من المحسنين: أحدهما أنك إن لم تنفعه فلا تضره. والثاني إن لم تسره فلا تغمه. والثالث إن لم تمدحه فلا تذمه. وذكر عن مجاهد أنه قال: إن لابن آدم جلساء من الملائكة، فإذا ذكر أحدهم أخاه بخير قالت الملائكة: له ولك مثله، وإذا ذكر أحدهم أخاه بسوء قالت الملائكة: يا ابن آدم كشفت المستور عليه عورته ارجع إلى نفسك واحمد اللَّه الذي ستر عليك عورتك. وذكر عن إبراهيم بن أدهم أنه دعى إلى طعام فلما جلس قالوا إن فلانا لم يجىء، فقال رجل منهم إن فلانا رجل ثقيل فقال إبراهيم إنما فعل هذا بي بطني حين شهدت طعاما اغتبت فيه مسلما، فخرج ولم يأكل ثلاثة أيام. قال بعض الحكماء: إن ضعفت عن ثلاث فعليك بثلاث. إن ضعفت عن الخير فأمسك عن الشر. وإن كنت لا تستطيع أن تنفع الناس فأمسك عنهم ضرك، وإن كنت لا تستطيع أن تصوم فلا تأكل لحوم الناس. وذكر عن وهب المكي أنه قال: لأن أدع الغيبة أحب إليّ من أن تكون لي الدنيا وما فيها منذ خلقت إلى أن تفنى فأجعلها في سبيل اللَّه تعالى، ولأن أغض بصري عما حرم اللَّه تعالى أحب إليّ من أن تكون لي الدنيا وما فيها فأجعلها في سبيل اللَّه تعالى، ثم تلا قوله تعالى {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً}وتلا قوله تعالى {لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} الآية.
(قال الفقيه) رضي اللَّه تعالى عنه: قد تكلم الناس في توبة المغتاب هل تجوز من غير أن يستحل من صاحبه! قال بعضهم يجوز، وقال بعضهم لا يجوز ما لم يستحل من صاحبه، وهو عندنا على وجهين: إن كان ذلك القول قد بلغ إلى الذي اغتابه فتوبته أن يستحل منه وإن لم يبلغ فليستغفر اللَّه تعالى ويضمر أن لا يعود إلى مثله. وروى أن رجلاً أتى ابن سيرين فقال: إني اغتبتك فاجعلني في حل؟ فقال وكيف أحل ما حرم الله؟
فكأنه أشار إليه بالاستغفار والتوبة إلى اللَّه تعالى مع استحلاله منه، فإن لم تبلغ إلى صاحبه تلك الغيبة فتوبته أن يستغفر اللَّه تعالى ويتوب إليه ولا يخبر صاحبه فهو أحسن لكيلا يشتغل قلبه به، ولو أنه قال بهتانا لم يكن ذلك فيه فإنه يحتاج إلى التوبة في ثلاثة مواضع، أحدها أن يرجع إلى القوم الذين تكلم بالبهتان عندهم ويقول إني قد ذكرت عندكم فلانا بكذا وكذا فاعلموا أني كاذب في ذلك. والثاني أن يذهب إلى الذي قال عليه البهتان ويطلب منه أن يجعله في حل. والثالث أن يستغفر اللَّه تعالى ويتوب إليه فليس شيء من الذنوب أعظم من البهتان، فإن سائر الذنوب يحتاج إلى توبة واحدة وفي البهتان يحتاج إلى التوبة في ثلاثة مواضع، وقد قرن اللَّه تعالى البهتان بالكفر فقال تعالى {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} ويقال لا تكون الغيبة إلاّ في قوم معلومين حتى لو ذكر أهل مصر من الأمصار فقال هم بخلاء أو قوم سوء لا يكون غيبة لأن فيهم البرّ والفاجر وعلم أنه لم يرد به الجميع والكف عن ذلك أفضل. وذكر عن بعض الزهاد أنه اشترى قطنا لامرأته فقالت المرأة إن باعة القطن قوم سوء قد خانوك في هذا القطن فطلق الرجل امرأته، فسئل على ذلك فقال: إني رجل غيور فأخاف أن يكون القطانون كلهم خصماءها يوم القيامة فيقال إن امرأة فلان تعلق بها القطانون فلأجل ذلك طلقتها. وقال ثلاثة لا تكون غيبتهم غيبة: سلطان جائر وفاسق معلن وصاحب بدعة يعني، إذا ذكر فعلهم ومذهبهم ولو ذكر شيئاً من أبدانهم بعيب فيهم لكان ذلك غيبة ولكن إذ ذكر فعلهم ومذهبهم فلا بأس لكي يحذرهم الناس.
(قال الفقيه) رضي اللَّه تعالى عنه: سمعت أبي يحكي أن الأنبياء الذين لو يكونوا مرسلين عليهم الصلاة والسلام بعضهم كانوا يرون في المنام وبعضهم كانوا يسمعون الصوت ولا يرون شيئاً، وكان نبي من الأنبياء ممن يرى في المنام رأى ذات ليلة في المنام قيل له: إذا أصبحت فأول شيء يستقبلك فكله والثاني اكتمه والثالث اقبله والرابع لا تؤيسه والخامس اهرب منه، فلما أصبح أوّل شيء استقبله جبل أسود عظيم فوقف وتحير وقال أمرني ربي أن آكله أآكل هذا، ثم رجع إلى نفسه وقال إن ربي لا يأمرني بما لا أطيق فلما عزم على أكله ومشى إليه ليأكله فلما دنا منه صغر ذلك الجبل فلما انتهى إليه وجده لقمة أحلى من العسل فأكله وحمد اللَّه تعالى، ومضى فاستقبله طست من ذهب وقال أمرت بأن أكتمه فحفر بئرا في الأرض ودفنه فيها ومضى والتفت فإذا الطست فوق الأرض فرجع مرتين أو ثلاثا وهو يدفنه فيها ومضى فالتفت فإذا هو على وجه الأرض، قال إني فعلت ما أمرت به، فذهب فاستقبله طائر خلفه بازي يريد أن يأخذه فقال: يا نبي اللَّه أغثني فقبله وجعله في كمه فجاء البازي فقال: يا نبي اللَّه إني كنت جائعاً وإني كنت في طلب هذا الصيد من منذ الغداة حتى أردت أن أخذه فلا تؤيسني من رزقي، فقال في نفسه إني قد أمرت أن أقبل الثالث وقد قبلته، وقد أمرت أن لا أويس الرابع والرابع هذا البازي فكيف أصنع فلما تحير في ذلك أخذ السكين وقطع من فخذ نفسه قطعة من لحم فرمى بها إلى البازي حتى أخذها ومضى ثم أرسل الطائر ومضى، فرأى الخامس جيفة منتنة فهرب فلما أمسى قال يا رب إني قد فعلت ما أمرتني فبين لي ما كان من أمر هذه الأشياء، فرأى في منامه أنه قيل له: أما الأوّل الذي أكلته فهو الغضب يكون في الأوّل كالجبل وهو في آخره إذا صبر وكظم غيظه أحلى من العسل. والثاني فهو من عمل حسنة فإن كتمه فإنه يظهر. والثالث من ائتمنك بأمانة فلا تخنه. . وأما الرابع فإذا سألك إنسان حاجة فاجتهد في قضائها وإن كنت محتاجا إليها. والخامس الغيبة فاهرب من الذين يغتابون الناس.