(قال الفقيه) رضي اللَّه تعالى عنه: حدثنا عبد الرحمن بن محمد حدثنا أبو القاسم حدثنا فارس بن مردويه حدثنا محمد بن الفضيل حدثنا الحسين بن علي الجعفي عن عبد الرحمن بن يزيد عن أبي الأشعث عن أوس بن أوس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وذكر الجمعة فقال "من غسل واغتسل وبكر وابتكر ودنا فأنصت ولم يلغ كان له بكل خطوة كأجر سنة صيامها" قال محمد بن الفضيل: سألت يزيد بن هرون عن قوله "غسل" قال غسل مواضع الوضوء "واغتسل" يعني جسده وسألت عن "بكر وابتكر" قال يعني بكر على غسله وابتكر إلى الجمعة.
(قال الفقيه) رحمه اللَّه تعالى: سمعت أبى قال: بلغنا أن صالحا المريّ أقبل ليله الجمعة يريد مسجد الجامع ليصلى فيه صلاة الفجر، فمر بمقبرة فقال: لو قمت حنى يطلع الفجر، فدخل المقبرة فصلى ركعتين واتكأ على قبر فغلبته عيناه، فرأى في المنام كأن أهل القبور قد خرجوا من قبورهم فقعدوا حلقا حلقا يتحدثون، فإذا شاب عليه ثياب دنسة فقعد في جانب مغموما فلم يمكثوا إذا أقبلت عليهم أطباق عليها الطاف مغطاة بمناديل فكلما جاء واحدا منهم طبق أخذه ودخل قبره، حتى بقى الفتى في آخر القوم لم يأته شيء، فقام حزينا ليدخل في قبره فقلت له: يا عبد اللَّه ما لي أراك حزينا وما الذي رأيت؟ قال: يا صالح المرّى هل رأيت الأطباق؟ قال: قلت نعم، فما هي؟ قال تلك ألطاف الأحياء لموتاهم كلما تصدقوا عنهم اودعوا لهم أتاهم ذلك في ليلة الجمعة وإني رجل من أهل السند أقبلت بوالدتي تريد الحج، فلما صرت بالبصرة توفيت بها وتزوّجت والدتي بعدي ولم تذكر لزوجها أنه كان لها ولد. وقد ألهتها الدنيا فما تذكرني بشفة ولا لسان فحق لي الحزن إذ ليس لي من يذكرني من بعدي، قال صالح: وأين منزل أمك؟ فوصف لي الموضع، قال: فلما أصبحت و قضيت صلاتي أقبلت فسألت عن منزلها فأرشدت إليه، فجئت فاستأذنت عليها فقلت أتى صالح المري بالباب فأذنت فدخلت و قلت أحب أن لا يسمع كلامي و كلامك أحد. فدنوت حتى ما كان بيني و بينها إلا ستر، فقلت يرحمك اللَّه هل لك ولد؟ قالت لا قلت فهل كان لك ولد؟ فتنفست الصعداء ثم قالت: قد كان لي ولد شاب فمات فقصصت عليها القصة، قال: فبكت حتى تحدرت دموعها على خديهّا، قالت: يا صالح ذاك ولدي من منزل كبدي والحشا، كان بطني له وعاء وثديي له سقاء وحجري له حواء. ثم دفعت لي ألف درهم وقالت: تصدقت بها على حبيبي وقرة عيني ولا أنساه الدعاء والصدقة فيما بقى من عمري، قال: فانطلقت فتصدقت بالألف، فلما كان في الجمعة الأخرى أقبلت أريد الجمعة، فأتيت المقبرة وصليت ركعتين واستندت إلى قبر. فخفقت برأسي فإذا أنا بقوم قد خرجوا وإذا أنا بالفتى عليه ثياب بيض فرحا مسرورا ثم أقبل حتى دنا منى ثم قال: يا صالح المري جزاك اللَّه خيرا عنى وقد وصلت إلينا الهدية. فقلت له أنتم تعرفون الجمعة؟ قال نعم، وإن الطيور في الهواء يعرفونها ويقولون سلام ليوم صالح: يعني يوم الجمعة.
(قال الفقيه) رضي اللَّه تعالى عنه: وحدثني الثقة بإسناده عن أنس بن مالك رضى اللَّه تعالى عنه قال "جاء جبريل عليه السلام إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وفي كفه كالمرآة البيضاء وفي وسطها كالنكتة السوداء، قال ما هذا يا جبريل؟ قال هذا يوم الجمعة يعرضها اللَّه عليك لتكون لك عيدا لك ولأمتك من بعدك ولكم فيها خير، من دعا فيها بخير هو له قسم أعطاه اللَّه إياه وإن لم يكن له قسم ادّخر له ما هو أفضل منه، وهو عندنا يوم المزيد ونحن ندعوه سيد الأيام، قال ولم ذلك؟ قال لأن ربك اتخذ في الجنة وادياً أفيح فيه كشيب من مسك أبيض، فإذا كان يوم الجمعة جاء النبيون وجالسوا على منابر من نور مكللة بالجواهر، ثم حف وراء تلك المنابر بكراسي من نور فجاء الصدّيقون والشهداء فجلسوا عليها، ثم يأتي أهل جنة عدن فيجلسون على ذلك الكثيب الأبيض فيقول لهم الرب تعالى، أنا الذي صدقتم وعدي وأتممت عليكم نعمتي وهذا محل كرامتي فسلوني، فيقولون ربنا نسألك رضوانك والجنة؟ فيقول رضواني أحلكم داري وأنيلكم كرامتي، فيسألونه الرضا فيهديهم الرضا ويعطيهم فوق رغبتهم وأمنيتهم، وذلك قدر منصرف أمامكم من الجمعة ويفتح لهم عند ذلك مالا يخطر على قلب بشر ولم تره عين، ثم يرجع النبيون والصدّيقون والشهداء ويرجع أهل الغرف إلى غرفهم فليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى يوم الجمعة ليزدادوا فيه كرامة فلذلك سمى يوم المزيد وفيه تقوم الساعة". وروى أنس بن مالك رضي اللَّه تعالى عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال "الصلوات في الجماعة والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهنّ ما اجتنبت الكبائر"