(قال الفقيه) رضي اللَّه عنه: قد بين النبي صلى اللَّه عليه وسلم للمؤمنين من الرحمة ليحمدوا اللَّه على ما أكرمهم به من رحمته ويشكروه ويعملوا عملاً صالحاً لأن من يرجوا رحمته فإنه يعمل ويجتهد لكي ينال من رحمته لأن اللَّه تعالى قال {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّه قَرِيبٌ مِنْ المُحْسِنِينَ} وقال اللَّه تعالى {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً} الآية، وقال اللَّه تعالى {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} يعني لكل شيء نصيب من رحمتي.
عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أنه قال: لما نزلت هذه الآية {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} تطاول إبليس عليه اللعنة وقال أنا شيء من الأشياء يكون لي نصيب من رحمته، وتطاولت اليهود والنصارى فلما نزل قوله تعالى { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ } يعني سأجعل رحمتي للذين يتقون الشرك ويؤتون الزكاة يعني يعطون الزكاة {وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} يعني يصدقون بآيات اللَّه فيئس إبليس من رحمته، وقالت اليهود والنصارى نحن نتقي الشرك ونؤتي الزكاة ونؤمن بآياته ثم نزل قوله تعالى {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ} يعني الذين يصدقون بمحمد صلى اللَّه عليه وسلم فيأس اليهود والنصارى وبقيت الرحمة للمؤمنين خاصة، فالواجب على كل مؤمن أن يحمد اللَّه تعالى على ما أكرمه به من الإيمان وجعل اسمه من جملة المؤمنين ويسأل ربه أن يتجاوز عن ذنوبه، كما روى عن يحيى بن معاذ الرازي رحمة اللَّه تعالى عليه أنه كان يقول: إلهي قد أنزلت إلينا رحمة واحدة وأكرمتنا بتلك الرحمة وهي الإسلام، فإذا أنزلت علينا مائة رحمة فكيف لا نرجوا مغفرتك وذكر عنه أنه قال: إلهي إن كان ثوابك للمطيعين ورحمتك للمذنبين فإني وإن كنت لست مطيعاً لأرجو ثوابك فأنا من المذنبين فأرجو رحمتك، وذكر عنه أنه قال: إلهي خلقت الجنة وجعلتها وليمة لأوليائك وأيست الكفار منها، وخلقت ملائكتك غير محتاجين إليها وأنت مستغنٍ عنها، فإن لم تعطنا الجنة فلمن تكون الجنة.
(قال الفقيه) رحمه اللَّه تعالى حدثنا الفقيه أبو جعفر حدثنا أبو القاسم أحمد بن حمزة حدثنا محمد بن الفضل حدثنا أبو عبد الرحمن المقري حدثنا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي عن عبد اللَّه بن يزيد بن عبد اللَّه بن عمر بن العاص رضي اللَّه عنهم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: "إن اللَّه تعالى لا يتعاظمه ذنب عبده أن يغفره كان رجل فيمن كان قبلهم قتل تسعة وتسعين نفساً ثم أتى رهباناً فقال إني قتلت تسعة وتسعين نفساً فهل تجد لي من توبة؟ فقال لا لقد أسرفت فقام إليه فقتله ثم أتى راهباً آخر، فقال: إني قتلت مائة نفس فهل تجد لي من توبة فقال لقد أسرفت وما أدري ولكن ههنا قريتان إحداهما يقال لها بصرى والأخرى يقال لها كفرة فأما أهل بصرى فهم يعملون بأعمال أهل الجنة لا يلبث فيها غيرهم، وأما أهل كفره فهم قوم يعملون بأعمال أهل النار لا يلبث فيها غيرهم فإن أنت أتيت بصرى فعملت بأعمالهم فلا تشكن في توبتك، فانطلق الرجل يريدها فلما كان بين القريتين أدركه الموت فاختصمت فيه ملائكة العذاب وملائكة الرحمة فسألت الملائكة ربها عنه؟ فقيل لهم قيسوا ما بين القريتين فإلى أيتهما كان أقرب فهو من أهلها، فقاسوا بين القريتين فوجدوه أقرب إلى بصرى بقدر أنملة فكتب من أهلها".
(قال الفقيه) حدثنا محمد بن الفضل حدثنا محمد بن خزيمة حدثنا محمد بن الأزهري عن يعلى بن عبيد عن إسماعيل بن أبي خالد عن عمر عن عبد الرحمن عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تعالى عنه قال: ثلاثة أقسمت عليهن والرابعة لو أقسمت عليها لصدقت لا يتولى اللَّه أحداً في الدنيا فيوليه غيره يوم القيامة، ولا يجعل ذا السهم في الإسلام كمن لا سهم له، ولا يحب أحد قوماً إلا كان معهم يوم القيامة والرابعة لا يستر اللَّه على عبد في الدنيا إلا ستر اللَّه عليه في الآخرة.
وروي عن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري رضي اللَّه عنهما عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي من كذب بها لم ينلها" قال جابر بن عبد الله: من لم يكن من أهل
الكبائر فماله وللشفاعة: يعني لا يحتاج إلى الشفاعة وروى أنس بن مالك رضي اللَّه تعالى عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي من كذب بها لم ينلها" وعن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري رضي اللَّه عنهما قال: خرج علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: "خرج من عندي خليلي جبريل صلوات اللَّه وسلامه عليه آنفاً فقال يا محمد والذي بعثك بالحق نبياً إن لله عبداً من عباده عبد اللَّه تعالى خمسمائة سنة على رأس جبل عرضه وطوله ثلاثون ذراعاً في ثلاثين ذراعاً والبحر محيط به أربعة آلاف فرسخ من كل ناحية، أجرى اللَّه له عيناً عذبة بعرض الإصبع بماء عذب يستنفع من أسفل الجبل وشجرة رمان كل يوم يخرج له منها رمانة، فإذا أمسى نزل فأصاب من الوضوء وأخذ تلك الرمانة فأكلها ثم قام لصلاته فسأل ربه أن يقبضه ساجداً وأن لا يجعل للأرض ولا لشيء على جسده سبيلاً حتى يبعثه وهو ساجد ففعل اللَّه ذلك له. قال جبريل عليه الصلاة والسلام: فنحن نمر عليه إذا هبطنا وعرجنا وهو على حاله في السجود. قال جبريل علية الصلاة والسلام فنجد في العلم أنه يبعث يوم القيامة فيوقف بين يدي اللَّه تعالى، فيقول الرب تبارك وتعالى: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي، فيقول بل بعملي، فيقول اللَّه تعالى للملائكة حاسبوا عبدي بنعمتي عليه وبعمله فيوجد نعمة البصر قد أحاطت بعبادته خمسمائة سنة وبقيت نعمة الجسد، فيقول أدخلوا عبدي النار فيجر إلى النار فينادي يا رب برحمتك أدخلني الجنة، فيقول ردوه فيوقف بين يديه فيقول: عبدي من خلقك ولم تك شيئاً فيقول أنت يا رب فيقول: أكان ذلك بعملك أو برحمتي؟ فيقول بل برحمتك فيقول من قواك على عبادتي خمسمائة سنة؟ فيقول أنت يا رب، فيقول من أنزلك في جبل في وسط اللجة وأخرج الماء العذب من المالح وأخرج لك رمانة في كل ليلة، وإنما تخرج في السنة مرة، وسألتني أن أقبض روحك ساجداً ففعلت ذلك بك من فعل ذلك؟ فيقول أنت يا رب. قال: فكل ذلك برحمتي، وبرحمتي أدخلك الجنة. قال جبريل علية الصلاة والسلام: إنما الأشياء برحمة الله".
وروي عن الحسن عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: "ما اجتمع الرجاء والخوف في قلب امرأ مسلم عند الموت إلا أعطاه اللَّه ما يرجوا وصرف عنه ما يخاف" وروي عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: "لن ينجوا أحدكم بعمله. قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني اللَّه برحته، فقاربوا وسددوا واغدوا وروحوا شيئاً من الدلجة القصد تبلغوا" وروى أنس بن مالك رضي اللَّه تعالى عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: "يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا" وقال ابن مسعود: لن تزال الرحمة بالناس يوم القيامة حتى أن إبليس يرفع رأسه مما يرى من سعة رحمة اللَّه وشفاعة الشافعين. وعن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: "ينادي مناد من تحت العرش يوم القيامة يا أمة محمد أما ما كان لي قبلكم فقد وهبته لكم وبقيت التبعات فتواهبوها وادخلوا الجنة برحمتي" وكان فضيل بن عياض رحمة اللَّه عليه يقول: الخوف ما دام الرجل صحيحاً فإذا مرض وعجز عن العمل فالرجاء أفضل: يعنى أن الرجل إذا كان صحيحاً كان الخوف أفضل حتى يجتهد في الطاعات ويجتنب المعاصي فإذا مرض وعجز عن العمل كان الرجاء له أفضل.
(قال الفقيه) رحمه اللَّه تعالى: فالواجب على الشيخ أن يعرف هذه الكرامة ويشكر اللَّه ويستحي من اللَّه عز وجل ويستحي من الكرام الكاتبين ويمتنع عن المعاصي ويكون مقبلاً على طاعة اللَّه تعالى، فإن الزرع إذا دنى حصاده لا ينتظر به، وكذلك الشاب يجب عليه أن يتقي اللَّه ويتجنب المعاصي ويقبل على الطاعات فإنه لا يدري متى يأتي أجله، فإن الشاب إذا كان مقبلاً على طاعة اللَّه تعالى أظله اللَّه يوم القيامة تحت عرشه كما جاء في الخبر. قال: حدثنا أبو الحسن القاسم بن محمد بن برزوبة، حدثنا عيسى بن خشنام حدثنا سويد عن مالك بن حبيب عن عبد الرحمن بن حفص عن عاصم عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "سبعة يظلهم اللَّه تعالى يوم القيامة في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل كان قلبه معلقاً بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلان تحابا في اللَّه تعالى اجتمعا عليه وافترقا عليه، ورجل ذكر اللَّه عز وجل خالياً ففاضت عيناه، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما فعلت يمينة، ورجل دعته امرأة ذات حسن وجمال إلى نفسها فقال إني أخاف اللَّه عز وجل"