(قال الفقيه) أبو الليث السمرقندي رحمه اللَّه تعالى: حدثنا الحاكم أبو
الحسن عليّ ابن الحسين السردرى حدثنا أبو جعفر أحمد بن حاتم حدثنا يعقوب بن جندب عن
حامد بن آدم عن حبيب بن محمد عن أبيه عن إبراهيم الصائغ عن ميمون بن مهران عن عبد
اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم "من
صام يوم عاشوراء من المحرم أعطاه اللَّه تعالى ثواب عشرة آلاف ملك، ومن صام يوم
عاشوراء من المحرم أعطي ثواب عشرة آلاف حاج ومعتمر وعشرة آلاف شهيد، ومن مسح يده
على رأس يتيم يوم عاشوراء رفع اللَّه تعالى له بكل شعرة درجة، ومن فطر مؤمناً ليلة
عاشوراء فكأنما أفطر عنده جميع أمة محمد عليه الصلاة والسلام وأشبع بطونها، قالوا
يا رسول اللَّه لقد فضل اللَّه يوم عاشوراء على سائر الأيام؟ قال نعم، خلق اللَّه
تعالى السموات والأرضين يوم عاشوراء، وخلق الجبال يوم عاشوراء، وخلق البحر يوم
عاشوراء، وخلق اللوح والقلم يوم عاشوراء، وخلق آدم يوم عاشوراء، وخلق حوّاء يوم
عاشوراء، وخلق الجنة وأدخله الجنة يوم عاشوراء، وولد إبراهيم يوم عاشوراء، ونجاه
اللَّه من النار يوم عاشوراء، وقد أمر بالذبح يوم عاشوراء وفدى ولده من الذبح يوم
عاشوراء، وأغرق فرعون يوم عاشوراء، وكشف البلاء عن أيوب يوم عاشوراء، وتاب اللَّه
على آدم يوم عاشوراء، وغفر ذنب داود يوم عاشوراء، وردّ ملك سليمان يوم عاشوراء،
وولد عيسى في يوم عاشوراء، ورفع اللَّه إدريس وعيسى يوم عاشوراء، وولد النبي صلى
اللَّه عليه وسلم في يوم عاشوراء، ويوم القيامة في يوم
عاشوراء.
(قال الفقيه) رحمه اللَّه تعالى: حدثنا محمد بن الفضل حدثنا محمد بن
جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسف حدثنا المسيب بن أبي بكر عن عكرمة رضي اللَّه تعالى عنه
قال: يوم عاشوراء هو اليوم الذي تيب فيه على آدم، وهو اليوم الذي أهبط فيه نوح من
السفينة فصامه شكرا، وهو اليوم الذي أغرق فيه فرعون، وفلق البحر لبني إسرائيل
فصاموه، فإن استطعت أن لا يفوتك صومه فافعل. قال: حدثنا محمد بن الفضل حدثنا محمد
بن جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسف حدثنا سفيان عن إبراهيم عن محمد بن ميسرة قال: بلغنا
أن من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع اللَّه عليه سائر السنة. قال سفيان: جربناه
فوجدناه كذلك. وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما قال: "قدم
النبي صلى اللَّه عليه وسلم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم عن ذلك
فقالوا إن هذا اليوم أظهر اللَّه فيه موسى وبني إسرائيل على قوم فرعون فنحن نصومه
تعظيماً له، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم نحن أولى بموسى منكم فأمر
بصومه".(قال
الفقيه) رضي اللَّه تعالى عنه: قد اختلفوا في تفسير هذا اليوم قال بعضهم إنما سمي
عاشوراء لأنه عاشر يوم من المحرم، وقال بعضهم لأن اللَّه تعالى أكرم فيه عشرة من
الأنبياء بعشر كرامات: تاب اللَّه على آدم يوم عاشوراء، ورفع اللَّه تعالى إدريس
مكانا عليا في يوم عاشوراء، واستوت سفينة نوح على الجودى يوم عاشوراء، وولد إبراهيم
عليه السلام في يوم عاشوراء، واتخذه خليلا وأنجاه من النار كذلك، وتاب اللَّه على
داود يوم عاشوراء، ورفع اللَّه عيسى يوم عاشوراء، وأنجى اللَّه موسى من البحر وأغرق
فرعون يوم عاشوراء، وأخرج يونس من بطن الحوت يوم عاشوراء، وردّ ملك سليمان يوم
عاشوراء، وولد النبي صلى اللَّه عليه وسلم يوم عاشوراء. قال بعضهم: إنما سمى
عاشوراء لأنه عاشر عشر كرامات أكرم اللَّه بها هذه الأمة: أوّلها شهر رجب وهو شهر
اللَّه الأصم وإنما جعله كرامة لهذه الأمة وفضله على سائر الشهور كفضل هذه الأمة
على سائر الأمم، والثاني شهر شعبان وفضله على سائر الشهور كفضل النبي صلى اللَّه
عليه وسلم على سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والثالث شهر رمضان وفضله على
سائر الشهور كفضل اللَّه تعالى على خلقه، والرابع ليلة القدر وهي خير من ألف شهر،
والخامس يوم الفطر وهو يوم الجزاء، والسادس أيام العشر وهي أيام ذكر اللَّه تعالى،
والسابع يوم عرفة وصومه كفارة سنتين، والثامن يوم النحر وهو يوم القربان، والتاسع
يوم الجمعة وهو سيد الأيام، والعاشر يوم عاشوراء وصومه كفارة سنة، فكل وقت من هذه
الأوقات كرامات جعلها اللَّه تعالى لهذه الأمة لتكفير ذنوبهم وتطهير خطاياهم. وعن
هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه تعالى عنها قالت: كان يوم عاشوراء يوم
تصومه قريش في الجاهلية وكان يصومه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بمكة فلما قدم
المدينة فرض صيام شهر رمضان فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم "إن كنت أمرت بصوم يوم
عاشوراء فمن شاء صام
ومن شاء ترك" وروى عن عائشة رضي اللَّه تعالى عنها قالت: يوم عاشوراء
يوم التاسع، وقال بعضهم: يوم الحادي عشر، وأكثرهم على أنه يوم العاشر، والله تعالى
أعلم.
باب فضل صوم التطوع وصوم أيام البيض
(قال الفقيه) أبو الليث السمرقندي
رحمه اللَّه تعالى: حدثنا الفقيه أبو جعفر حدثنا علي بن أحمد حدثنا عيسى بن أحمد
حدثنا ابن وهب عن عمرو بن محمد المعمري أن زيد بن أسلم حدثه وقال لا أعلم إلا أنه
عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال "الأعمال خمسة: فعمل بمثله، وعمل
موجب، وعمل بعشرة وعمل بسبعمائة، وعمل لا يعلم ثواب عامله إلا الله، فأما العمل
الذي بمثله فالرجل يعمل سيئة يكتب عليه واحدة، ورجل يهم بحسنة ولم يعملها
فيكتب له حسنة،
والعمل الموجب من لقي اللَّه لا يعبد إلا هو، وجبت له الجنة، ومن لقى اللَّه يعبد
غيره وجبت له النار" والعمل الذي بعشرة من عمل حسنة فيكتب له عشرة، والعمل الذي
بسبعمائة من عمل في سبيل اللَّه تعالى أو ينفق في ذلك فيكتب له سبعمائة، والعمل
الذي لا يعرف ثواب عمله إلا اللَّه فهو الصوم".
(قال
الفقيه) رحمه اللَّه تعالى: حدثنا الفقيه أبو جعفر رحمه اللَّه تعالى حدثنا عليّ بن
أحمد حدّثنا عيسى بن أحمد حدثنا ابن وهب حدثنا أبو صدقة اليماني قال "دخل بلال رضي
اللَّه تعالى عنه على رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم وهو يأكل الطعام، فقال يا
بلال: الطعام الطعام، فقال يا رسول اللَّه إني صائم، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم نأكل أرزاقنا، ورزق بلال في الجنة، إن الصائم إذا كان عند قوم يأكلون
تسبح أعضاؤه وتصلي عليه الملائكة وتقول اللهم اغفر له وارحمه ما دام في
مجلسه".
(قال الفقيه) رحمه اللَّه تعالى: حدثنا الفقيه أبو جعفر حدثنا علي بن
أحمد حدثنا محمد بن الفضل حدثنا يزيد بن هرون عن هشام بن حسان عن واصل مولى أبي
عيينة قال: أخبرني لقيط عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري رضي اللَّه تعالى عنه قال:
ركبنا البحر فبينما نحن نسير في لجة البحر وقد رفعنا الشراع ولا نرى جزيرة ولا شيئا
إذا نحن بمناد ينادي: يا أهل السفينة قفوا أخبركم، قال فانصرفنا فلم نر شيئا فنادى
سبعا، قال أبو موسى فلما كانت السابعة قمت فقلت يا هذا قد ترى ما نحن فيه ولسنا
نستطيع أن نحتبس عليك فأخبرنا ما تريد أن تخبرنا به، فقال ألا أخبركم بقضاء قضى
اللَّه تعالى على نفسه؟ قلنا أخبرنا، قال فإن اللَّه تعالى قضى على نفسه أنه ما من
عبد أظمأ نفسه في يوم حارّ إلا أرواه اللَّه تعالى يوم القيامة.
وذكر عن ابن
المبارك عن واصل مولى أبي عيينة عن لقيط بن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري نحوه وزاد
فيه وكان أبو موسى يتتبع اليوم الحار الشديد فيصومه قال: حدّثنا الفقيه أبو جعفر
قال: حدّثنا أبو عتاب البغدادي قال: حدّثنا يحيى بن جعفر بن الزبير قال: حدّثنا
الحارث بن منصور: حدّثنا يحيى السقاء عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن أبي
مالك الأشعري عن رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم قال: "ست خصال من الخير: مجاهدة
عدوّ اللَّه بالسيف، والصوم في الصيف، وحسن الصبر عند المصيبة، وترك المراء وإن كان
محقاً، والتبكير في الصلاة في يوم الغيم، أو قال في يوم الصيف، وحسن الوضوء في أيام
الشتاء" قال: حدّثنا الفقيه أبو جعفر حدّثنا علي بن أحمد حدثنا نصير بن يحيى حدّثنا
أبو مطيع عن بكر بن خنيس يرفعه إلى أبي الدرداء رضي اللَّه تعالى عنه أنه قال: لولا
ثلاث ما باليت أن أموت: أحدها تعفير وجهي في التراب لله ساجدا، وصوم يوم بعيد
الطرفين التوى فيه من
الجوع والظمأ، والثالث جلوس مع قوم يتخيرون أطيبب الكلام كما يتخيرون أطيب الثمر.
قال: حدّثنا الفقيه أبو جعفر حدّثنا على بن أحمد حدثنا محمد بن الفضل حدّثنا محمد
بن عبد اللَّه الطنافسي عن العوام بن حوشب عن سليمان بن أبي سليمان مولى هاشم أنه
سمع أبا هريرة رضي اللَّه تعالى عنه يقول: "علمني رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم
ثلاث خصال لا أدعهنّ حتى أموت: أن لا أنام إلا على وتر، وأن أصوم من كل شهر ثلاثة
أيام، وأن لا أدع صلاة الضحى". قال: حدّثنا الفقيه أبو جعفر حدثنا علي بن أبي أحمد
حدثنا محمد بن الفضل حدّثنا محمد بن عبد اللَّه الطنافسي عن العوّام عن حوشب حدّثنا
محمد بن سلمة حدثنا ابن أبي شيبة حدثنا هشام بن القاسم حدّثنا أبو إسحاق الأشجعي عن
عمرو بن قيس عن الحسن بن الصباح عن هندية بن خالد الخزاعي عن حفصة رضي اللَّه تعالى
عنها قالت: "أربع لم يدعهن النبي صلى اللَّه عليه وسلم صيام يوم عاشوراء، وصوم أيام
العشر، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتان قبل الغداة" قال: حدّثنا الفقيه أبو
جعفر حدّثنا أبو بكر محمد بن عبد اللَّه حدثنا محمد بن على حدّثنا يحيى بن محمد عن
كامل بن طلحة عن حماد بن سلمة عن الحجاج بن أبي إسحاق عن الحارث بن علي كرم اللَّه
وجهه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال "صوموا شهر الصبر: يعني شهر رمضان، وثلاثة
أيام من كل شهر فهو بمنزلة صوم الدهر ويذهب وحر الصدر" يعني غله وغشه، حدّثنا
الفقيه أبو جعفر حدّثنا علي بن أحمد حدثنا محمد بن الفضل حدثنا يعلى بن حميد حدّثنا
الأعمش عن رجل عن عبد اللَّه بن شقيق العقيلي قال: أتيت المدينة فإذا أبو ذر
الغفاري رضي اللَّه تعالى عنه فقلت لأنظرن على أيّ حال هو اليوم، فقلت له أصائم
أنت؟. قال نعم، فهم ينتظرون الإذن على عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه، فلما
دخلوا أتينا بقصاع فأكل أبو ذر فحركته بيدي أذكره، فقال إني لم أنسى ما قلت لك،
أخبرتك إني
صائم فإني أصوم من كل شهر ثلاثة أيام فأنا أبداً صائم. قال حدثنا الفقيه
أبو جعفر حدثنا علي بن أحمد حدّثنا محمد بن سلمة حدثنا ابن أبي شيبة حدثنا محمد بن
الفضل الضبي، عن حصين عن مجاهد عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي اللَّه تعالى
عنهم قال"كنت رجلا مجتهدا فزوّجني أبي امرأة فدخل يوما منزلي فلم يرني، فقال للمرأة
كيف تجدين بعلك؟ فقالت نعم الرجل هو رجل لا ينام ولا يفطر. فوقع فيّ أبي، فقال
زوجتك امرأة من المسلمين فعطلتها، فلم أبال بما قال لي أبي مما أجد من القوّة
والاجتهاد إلى أن بلغ ذلك إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فدعاني فقال لي:
لكني أنام وأصلي وأصوم وأفطر، فصلّ ونم وصم من كل شهر ثلاثة أيام، فقلت يا رسول
اللَّه أنا أقوى من ذلك، قال صم يوما وأفطر يوما وهو صوم داود عليه السلام، وقال لي
في كم تقرأ القرآن؟ قلت في يومين وليلتين، قال اقرأه في خمسة عشرة يوما. قال قلت يا
رسول اللَّه أنا أقوى من ذلك، قال فاقرأه في سبع، ثم قال: إن لكل عامل
شرة ولكل شرة فترة فمن كانت فترته إلى سنتي فقد هتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك
فقد هلك، فقال عبد اللَّه بن عمرو رضي اللَّه تعالى عنهما: لأن أكون قبلت رخصة رسول
الله صلى اللَّه عليه وسلم أحب إليّ من أن يكون لي مثل أهلي ومالي، وأنا اليوم شيخ
قد كبرت وضعفت وأكره أن أترك ما أمرني به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم.
وروى عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما"أن رجلا جاء إليه
فسأله عن الصيام فقال: ألا أحدثك بحديث كان عندي من التحف المخزونة، إن كنت تريد
صوم داود عليه السلام فإنه كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وإن كنت تريد صوم ابنه
سليمان عليه السلام فإنه كان يصوم ثلاثة أيام من أوّل كل شهر وثلاثة من أوسطه
وثلاثة من آخره، وإن كنت تريد صوم ابن العذراء البتول: يعني عيسى ابن مريم عليهما
السلام، فإنه كان يصوم الدهر كله ويأكل الشعير ويلبس الشعر الخشن، وكان حيثما أدركه
الليل صف قدميه يصلي حتى يرى علامة الفجر قد طلعت، وكان لا يقوم مقاماً إلا صلى
ركعتين فيه، وإن كنت تريد صوم أمه فإنها كانت تصوم يومين وتفطر يومين، وإن كنت تريد
صوم خير البشر النبي العربي القرشي أبي القاسم محمد صلى اللَّه عليه وسلم فإنه كان
يصوم ثلاثة أيام من كل شهر: يعني صوم أيام البيض الثالث عشر والربع عشر والخامس
عشر، ويقول هن صيام الدهر". وروى أبو هريرة رضي اللَّه تعالى عنه عن النبي صلى
اللَّه عليه وسلم أنه قال من صام شهر رمضان ثم أتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر
كله" قال أبو هريرة رضي اللَّه تعالى عنه: حتى أحسب لكم فصوم رمضان يكون ثلثمائة
يوم وستة أيام ستين يوماً لأن اللَّه تعالى قال{ من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}
وكل يوم يقوم مقام عشرة أيام.
(قال الفقيه) رضي اللَّه تعالى عنه: وقد كره بعض
الناس صيام السبت وقال فيه تشبه بالنصارى. وروى عن إبراهيم النخعي انه سئل عن صيام
الست فقال هي صوم الحيض، وقال بعضهم ينبغي أن يصوم متفرقاً حتى لا يكون تشبها
بالنصارى، وعندي أنه لا بأس به متتابعاً أو متفرقاً أو لأن يوم الفطر صار فاصلا
بينهما"