(قال الفقيه) أبو الليث السمرقندي رحمه اللَّه تعالى: حدثنا الفقيه أبو
جعفر حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن عبد الرحمن القارئ حدثنا أبو العباس الفضل بن الحكم
النيسابوري حدثنا يزيد بن عبد اللَّه حدثنا عكرمة بن عمار حدثنا شداد بن عبد اللَّه
الدمشقي حدثنا أبو أمامة الباهلي قال "قلت لعمرو بن عنبسة لأيّ شيء تدعى رابع
الإسلام؟ قال إني كنت أرى الناس على الضلالة ولا أرى الأوثان شيئاً ثم سمعت رجلاً
يخبر أخباراً بمكة فركبت
راحلتي حتى قدمت مكة فإذا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وسلم مستخف وإذا قومه عليه حواء. فتلطفت له فدخلت عليه فقلت من أنت؟ فقال أنا نبيّ،
فقلت وما النبي قال رسول الله، فقلت اللَّه أرسلك؟ قال نعم، فقلت بأي شيء أرسلك؟
قال بأن نوحد اللَّه ولا نشرك به شيئاً وكسر الأوثان وصلة الرحم: فقلت له ومن معك
على هذا الأمر؟ قال حر وعبد، وإذا معه أبو بكر وبلال؟ قلت فإني لأتبعك؟ قال إنك لن
تستطيع ذلك يومك هذا ولكن ارجع إلى أهلك فإذا سمعت بأن قدي ظهرت فالحق بي، فرجعت
إلى أهلي وقد أسلمت. قال عمرو بن عنبسة: ولقد رأيتني في ذلك اليوم وأنا رابع
الإسلام يعني لم يكن في ذلك الوقت من المسلمين إلا أربعة، فخرج رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم مهاجراً إلى المدينة، فركبت راحلتي حتى قدمت على المدينة فدخلت
عليه فقلت يا رسول اللَّه أتعرفني؟ قال: نعم، ألست الذي أتيتني بمكة؟
قلت يا
رسول اللَّه علمني مما علمك اللَّه تعالى؟ قال إذا صليت الصبح فأقصر عن الصلاة حتى
تطلع الشمس، فإذا طلعت فلا تصلّ حتّى ترتفع فإنها تطلع بين قرني الشيطان وحينئذ
يسجد لها الكفار، فإذا ارتفعت قدر رمح أو رمحين فصلّ فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى
يستقبل الرمح للظل، ثم أقصر عن الصلاة فإنها حينئذ تسجر جهنم، فإذا فاء الفيء فأت
الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر، فإذا صليت العصر فأقصر عن الصلاة حتى تغرب
الشمس فإنها تغرب بين قرني الشيطان وحينئذ يسجد لها الكفار. قال قلت يا نبي اللَّه
أخبرني عن الوضوء؟ قال ما منكم من رجل يقرب وضوءه ثم يتمضمض ويستنشق ويستنثر إلا
خرجت خطايا فيه وخياشيمه مع الماء حين يستنثر، ثم يغسل وجهه كما أمره اللَّه تعالى
إلا خرجت خطايا وجهه مع الماء، ثم يغسل يديه إلى المرفقين كما أمره اللَّه تعالى
إلا خرجت خطايا يديه من أطراف أنامله مع الماء، ثم يمسح رأسه كما أمره اللَّه تعالى
إلا خرجت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء، ثم يغسل قدميه إلى الكعبين كما أمره
اللَّه تعالى إلا خرجت خطايا قدميه من أطراف أصابعه مع الماء، ثم يقوم فيحمد اللَّه
تعالى ويثني عليه بالذي هو له أهل ثم يركع ركعتين إلا انصرف من ذنوبه كيوم ولدته
أمه".
(قال الفقيه) رضي اللَّه تعالى عنه حدثنا محمد بن الفضل حدثنا محمد بن
جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسف حدثنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبي
هريرة رضي اللَّه تعالى عنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال "ألا أدلكم على ما
يمحو اللَّه تعالى به الخطايا وترفع به الدرجات؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال إسباغ
الوضوء في السبرات، والصبر على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة
بعد الصلاة، فذلكم الرباط" يعني الحصن من العدوّ، ويقال يعني فضل الرباط الذي يرابط
في سبيل اللَّه تعالى.
(قال الفقيه) رضي اللَّه تعالى عنه: حدثني أبي رحمه اللَّه بإسناده عن
عبد اللَّه بن سلام قال: وجدت في بعض ما أنزل اللَّه عز وجل أن من توضأ من كل حدث
ولم يكن دخالا على النساء في البيوت ولم يكسب مالاً بغير حق
رزق من الدنيا بغير
حساب. وروى أبو هريرة رضي اللَّه تعالى عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال:
"من بات طاهراً في شعار طاهر بات ومعه ملك في شعاره فلا يستيقظ ساعة من الليل إلا
قال له الملك اللهم اغفر لعبدك فلان فإنه بات طاهراً" وعن عمران بن أبان قال: رأيت
عثمان بن عفان توضأ فأفرغ الماء على يديه ثلاثاً فغسلهما ثم تمضمض واستنشق ثلاثاً
ثم غسل وجهه ثلاثا ثم غسل يده اليمنى إلى المرفقين ثلاثاً ثم اليسرى ثلاثاً ثم مسح
رأسه ثم غسل قدميه ثلاثاً ثم قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توضأ نحو
وضوئي هذا، ثم قال من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث
نفسه فيهما بشيء من أمر الدنيا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" وروى ثوبان عن
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: "استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير
أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن" قال معنى قوله صلى اللَّه عليه وسلم
"لن تحصوا" يعني لن تقدروا على ذلك إلا بالجهد. ويقال: لن تقدروا أن تعدوا ثواب من
استقام على الإيمان والطاعة، ومعنى قوله "لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن" يعني
الدوام على الوضوء من أخلاق المؤمنين، فينبغي للمؤمن أن يكون النهار كله على الوضوء
وينام بالليل على الوضوء فإنه إذا فعل ذلك يحبه اللَّه ويحبه الحفظة ويكون في أمان
اللَّه عز وجل.
(قال الفقيه) رضي اللَّه تعالى عنه: سمعت أبي رحمه اللَّه يحكي بإسناده
يقول: بلغني أن عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه وجه رجلاً من أصحاب رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم إلى مصر لكسوة الكعبة، فنزل الرجل بعض أرض الشام إلى جانب
صومعة حبر من الأحبار ولم يكن حبر أعلم منه، فأحب رسول عمر أن يلقاه فيسمع منه علمه
فأتاه يستفتح باب داره فلم يفتح له طويلاً ثم دخل على الحبر فسأله ليسمع منه فأعجبه
علمه، فشكا إليه حبسه على بابه فقال له الحبر: إنا كنا رأيناك حين عدلت إلينا
فرأيناك على هيبة السلطان فتخوفناك، وإنما حبسناك على الباب لأن اللَّه تبارك
وتعالى قال لموسى: يا موسى إذا تحوّفت سلطاناً فتوضأ وأمر أهلك بالوضوء فإن من توضأ
كان في أمان مما يتخوف، فأغلقنا دونك الباب حتى توضأت وتوضأ جميع من في الدار
وصلينا فأمناك لذلك ثم فتحنا لك الباب.
(قال الفقيه) رضي اللَّه تعالى عنه: ينبغي للذي يتوضأ أن يكون
وضوؤه مع التعظيم ويعلم أنه يريد زيارة ربه عز وجل، فينبغي أن يتوب من جميع ذنوبه
أن اللَّه تبارك وتعالى جعل الغسل بالماء علامة لغسله من الذنوب، فينبغي أن يبدأ
بذكر اسم اللَّه تعالى وإذا تمضمض واستنشق يغسل فاه من الغيبة والكذب كما غسله
بالماء، وإذا غسل وجهه يغسله من النظر إلى الحرام وكذلك في سائر الأعضاء، فإذا فرغ
من وضوئه يدعو اللَّه تعالى ويسبحه. وقد روي في الخبر: "إن العبد المؤمن إذا فرغ من
وضوئه ثم قال: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك يختم
بخاتم ثم يوضع تحت العرش فلم يكسر حتى يدفع إليه يوم القيامة" وروى عقبة بن عامر عن
عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال "إذا فرغ
أحدكم من وضوئه فقال أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له وأن محمد عبده
ورسوله فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء" قال: حدثني أبي رحمه اللَّه
تعالى حدثنا إبراهيم بن نصر حدثنا حمد بن مسعدة المروزي عن عبد اللَّه بن عبد
المجيد عن عمران القطان عن قتادة عن خليد القصري عن
أبي الدرداء رضي اللَّه تعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم "خمس
من جاء بهن يوم القيامة مع الإيمان دخل الجنة: من حافظ على الصلوات الخمس في
مواقيتهن ووضوئهن وركوعهن وسجودهن، ومن أدّى الزكاة من ماله طيبة به نفسه، ثم قال:
وايم اللَّه لا يفعل ذلك إلا مؤمن، ومن صام رمضان، وحج البيت إن استطاع إليه سبيلا،
وأدّى الأمانة، قالوا يا أبا الدرداء وما الأمانة؟ قال الغسل من الجنابة، فإن
اللَّه تعالى لم يأتمن ابن آدم على شيء من دينه غيره" قال: حدثني أبي رحمه اللَّه
تعالى حدثنا أبو الحسن محمد بن جمّ الفقيه بسمرقند حدثنا محمد بن إسماعيل المكي
حدثنا أبو أسامة حدثنا أبو الرمان عن أبي الفضائل التيمي عن أبي ذرعة عن أبي هريرة
رضي اللَّه تعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لبلال عند صلاة
الفجر "حدثني بأزكى عمل عملته في الإسلام فإني سمعت الليلة خشف نعليك في الجنة؟
فقال ما عملت عملاً في الإسلام أزكى عندي من أني لم أتطهر طهوراً في ساعة من ليل أو
نهار إلا صليت لربي أدنى ما قدّر لي" وفي آخر: "ما أحدثت إلا أوجدت الطهارة وما
تطهرت إلا صليت ركعتين"