وروى عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال "من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله: ومن سره أن يكون أكرم الناس فليتق الله، ومن سره أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد اللَّه أوثق منه بما في يده. وذكر عن داود عليه الصلاة والسلام أنه قال لابنه سليمان عليه الصلاة والسلام: يا بني إنما يستدل على تقوى الرجل بثلاث: حسن التوكل فيما لم ينل، وحسن الرضا فيما قد نال، وحسن الصبر فيما قد فات. وذكر عن أبي مطيع البلخي أنه قال لحاتم الأصم رحمهما اللَّه تعالى: بلغني أنك تجاوز المفاوز بالتوكل بغير زاد، قال: بل أجاوزها بالزاد. قال وما زادك؟ قال زادي فيها أربعة أشياء. قال: وما هي؟ قال أرى الدنيا بحذافيرها مملكة لله، وأرى الخلق كلهم عيال الله، وأرى الأسباب والأرزاق كلها بيد الله، وأرى قضاء اللَّه نافذا في جميع خلقه. قال أبو مطيع: نعم الزاد زادك يا حاتم، وإنك لتجاوز بها مفاوز الآخرة فكيف مفاوز الدنيا، وذكر أن رجلا جاء إلى شقيق الزاهد رحمه اللَّه تعالى فقال له أوص؟ فقال له شقيق احفظ ثلاثة أشياء: أعبد اللَّه فإنه يثبتك وحارب عدو اللَّه فإنه ينصرك، وصدّقه بالوعد فإنه يأتي به أبيك. وعن ابن مسعود رضي اللَّه تعالى عنه قال: لو أن أهل العلم صانوا علمهم وبذلوه لأهله لسادوا به أهل زمانهم ولكنهم بذلوه لأهل الدنيا لينالوا من دنياهم فهانوا على أهلها، سمعت نبيكم صلى اللَّه عليه وسلم يقول "من جعل الهموم هما واحدا يعني همّ آخرته كفاه اللَّه ما أهمه من أمر دنياه، ومن شغلته هموم أحوال الدنيا لم يبال اللَّه تعالى في أي أودية النار أهلكه وأي أودية النار عذبه" ويقال مكتوب في التوراة: يا ابن آدم حرك يدك أبسط لك في رزقك، وأطعني فيما أمرتك ولا تعلمني ما يصلحك.
(قال بعض الحكماء): صفة أولياء اللَّه تعالى ثلاث خصال: الثقة بالله في كل شيء، والفقر إلى اللَّه في كل شيء، والرجوع إلى اللَّه في كل شيء. وقال فضيل بن عياض رحمه الله: أحب الناس إلى الناس من استغنى عن الناس ولم يسألهم شيئا، وأبغض الناس إليهم من احتاج إليهم، وأحب الناس إلى اللَّه من احتاج إليه وسأله وأبغض الناس إليه من استغنى عنه ولم يسأل منه شيئا. وذكر أن لقمان الحكيم عليه السلام لما حضرته الوفاة قال لابنه: يا بني كثيرا ما أوصيتك إلى هذه الغاية وإني لموصيك الآن بست خصال فيها علم الأوّلين والآخرين: أوّلها أن لا تشغل نفسك بالدنيا إلا بقدر ما يبقى من عمرك، والثاني اعبد ربك بقدر حوائجك إليه، والثالث اعمل للآخرة بقدر ما تريد المقام بها، والرابع ليكن شغلك في فكاك رقبتك من ما لم تظهر لك النجاة منها، والخامس ليكن جراءتك على المعاصي بقدر صبرك على عذاب الله، والسادس إذا أردت أن تعصى اللَّه فاطلب مكانا لا يراك اللَّه وملائكته. وقيل لبعض الحكماء ما الفرق بين اليقين والتوكل؟قال أما اليقين فهو أن تصدق اللَّه بجميع أسباب الآخرة، والتوكل أن تصدق اللَّه بجميع أسباب الدنيا. ويقال التوكل توكلان: أحدهما في الرزق فلا يجوز فيه إلا الأمن، والثاني في طلب ثواب العمل فيكون آمنا بوعد اللَّه في الثواب ويكون خائفا في عمله أن يقبل منه أم لا يقبل. وروى عطاء بن السائب عن يعلى بن مرة قال: اجتمعنا مع نفر من أصحاب عليّ كرم اللَّه وجهه فقلنا لو حرسنا أمير المؤمنين فإنه محارب ولا نأمن عليه أن يغتال فبينا نحن عند باب حجرته حتى خرج للصلاة، فقال ما شأنكم؟ فقلنا حرسناك يا أمير المؤمنين لأنك محارب وخشينا أن تغتال، قال أفمن أهل السماء حرستموني أم أهل الأرض؟ قالوا بل من أهل الأرض فكيف نستطيع أن نحرسك من أهل السماء؟ قال فإنه لا يكون في الأرض شيء حتى يقدره اللَّه في السماء، وليس من أحد إلا وقد وكل به ملكان يدفعان عنه حتى يجيء قدره فإذا جاء قدره خليا بينه وبين قدره.