(قال الفقيه) رحمه اللَّه تعالى: أخبرنا الخليل بن أحمد قال: أخبرنا
يحيى بن محمد بن صاعد قال: حدثنا محمد بن المنصور الطوسي قال: حدثنا يحيى بن إسحاق
الصالح قال: حدثنا أحمد بن لهيعة عن خالد بن عمران عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي
اللَّه عنها وعنهم قالت: قلت يا رسول اللَّه هل يذكر الحبيب حبيبه يوم القيامة؟ قال
أما عند ثلاث مواضع فلا: عند الميزان حتى يعلم إما أن يخف وإما أن يثقل وعند تطاير
الصحف إما أن يعطى بيمينه
وإما أن يعطى بشماله، وحين يخرج عنق من النار فينطوى
عليهم ويقول: وكلت بثلاثة: وكلت بمن دعا مع اللَّه إلهاً آخر، وبكل جبار عنيد وبكل
من لا يؤمن بيوم الحساب، فيطوى عليهم حتى يرمى بهم في غمرات جهنم، ولجهنم جسر أدق
من الشعر وأحدّ من السيف عليه كلاليب وحسك والناس يمرون عليه كالبرق الخاطف وكالريح
العاصف فناج مسلم ومخدوش مثلهم ومكبوب في النار على وجهه.
وحدثنا محمد بن الفضل
قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: أخبرنا إبراهيم بن يوسف قال: أخبرنا أبو معاوية عن
الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال
"ما بين النفختين أربعون سنة ثم ينزل اللَّه ماء من السماء كمنى الرجال فينبتون كما
ينبت البقل" وأخبرني الثقة بإسناده عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه بأسانيد مختلفة عن
أبي هريرة رضي اللَّه عنه عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال "لما فرغ اللَّه
تعالى من خلق السموات والأرض خلق الصور فأعطاه إسرافيل فهو واضعه في فيه شاخصاً
ببصره إلى العرش ينتظر متى يؤمر. قال: قلت يا رسول اللَّه وما الصُّور؟ قال قرن من
نور: قلت يا رسول اللَّه كيف هو؟ قال عظيم الدارة والذي بعثني بالحق نبياً لعظم
دارته كعرض السماء والأرض ينفخ فيه ثلاث نفخات، وذكر في بعض الروايات أنه "نفختان"
نفخة للهلاك ونفخة للبعث، وفي رواية كعب "نفختان" وفي رواية أبي هريرة رضي اللَّه
عنه "ثلاث نفخات للفزع نفخة للصعق ونفخة للبعث فيأمر اللَّه تعالى إسرافيل في
النفخة الأولى فينفخ فيه فيفزع من في السموات ومن في الأرض، وهو قوله تعالى
{وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي
الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} وتتزلزل الأرض وتذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل
ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب اللَّه شديد، وتصير
الولدان شيباً وتطير الشياطين هاربة وهو قوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ
اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ
تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ
حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ
عَذَابَ اللَّه شَدِيدٌ} فيمكثون ما شاء الله، ثم يأمر اللَّه تعالى إسرافيل فينفخ
نفخة الصعق فيصعق أهل السماء وأهل الأرض يعني يموت أهل السماء والأرض إلا من شاء
الله، وهو قوله تعالى {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ
وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} والاستثناء يعني به أرواح الشهداء
وقيل يعني به جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت صلوات اللَّه تعالى عليهم
أجمعين، فيقول اللَّه عز وجل لملك الموت: من بقي من خلقي وهو أعلم فيقول يا رب أنت
حي لا تموت بقي جبريل وميكائيل وإسرافيل وحملة عرشك وبقيت أنا، فيأمر اللَّه تعالى
ملك الموت بقبض أرواحهم، هكذا ذكر في رواية الكلبي ورواية مقاتل، وقال في رواية
محمد بن كعب عن رجل عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه "إن اللَّه سبحانه وتعالى
يقول ليمت جبريل وميكائيل وإسرافيل وليمت حملة العرش، ثم يقول اللَّه عز وجل: يا
ملك الموت من بقي من خلقي؟ فيقول أنت الحي الذي لا تموت وبقي عبدك الضعيف ملك
الموت، فيقول يا ملك الموت ألم تسمع قولي {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ} وأنت
خلق من خلقي خلقتك لما رأيت فمت فيموت" وروى في خبر آخر "أنه يأمره بأن يقبض روح
نفسه فيجيء إلى موضع بين الجنة والنار وينزع روحه بنفسه فيصيح صيحة لو كان الخلق
كلهم أحياء لماتوا من صيحته ويقول لو كنت علمت أن لنزع الروح مثل هذه الشدة
والمرارة لكنت على قبض أرواح المؤمنين أشد شفقة، ثم يموت فلا يبقى أحد من الخلق،
فيقول اللَّه عز وجل للدنيا الدنية أين الملوك أين أبناء الملوك أين الجبابرة وأين
أبناء الجبابرة وأين الذين كانوا يأكلون خيري ويعبدون غيري؟ ثم يقول اللَّه تعالى
{لِمَنْ المُلْكُ اليَوْمَ} فلا يجيب أحد فيجيب سبحانه وتعالى نفسه فيقول: لله
الواحد القهار، ثم يأمر اللَّه تعالى السماء أن تمطر فتمطر السماء كمنى الرجال
أربعين يوماً حتى يعلو الماء فوق كل شيء اثني عشر ذراعاً فينبت اللَّه الخلق بذلك
الماء كنبات البقل حتى تتكامل أجسامهم فتعود كما كانت، ثم يقول اللَّه تعالى ليحيى
إسرافيل وحملة العرش فيحيون بأمر اللَّه تعالى، ويأمر اللَّه تعالى إسرافيل فيأخذ
الصور ويضعه في فيه ثم يقول اللَّه ليحيى جبرائيل وميكائيل فيحييان بأمر اللَّه
تعالى، ثم يدعو اللَّه تعالى الأرواح فيؤتى بها فيجعلها في الصور، ثم يأمر اللَّه
تعالى إسرافيل فينفخ نفخة البعث فتخرج الأرواح كأنها النحل قد ملأت ما بين السماء
والأرض فتدخل الأرواح في الأرض إلى الأجساد في الخياشيم فتنشق الأرض عنهم، ثم قال
النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنا أوّل من تنشق عنه الأرض" وفي خبر آخر "إن اللَّه
تعالى إذا أحيا جبريل وميكائيل وإسرافيل فينزلون إلى قبر النبي صلى اللَّه عليه
وسلم ومعهم البراق وحلل من الجنة فتنشق عنه الأرض فينظر النبي صلى اللَّه عليه وسلم
إلى جبريل فيقول: يا جبريل ما هذا اليوم؟ فيقول هذا يوم القيامة هذا يوم القارعة،
فيقول يا جبريل ما بعث اللَّه بأمتي؟ فيقول جبريل أبشر فإنك أوّل من تنشق عنه
الأرض، ثم يأمر اللَّه تعالى إسرافيل فينفخ في الصور فإذا هم قيام ينظرون (رجعنا
إلى حديث أبي هريرة) رضي اللَّه تعالى عنه قال: فيخرجون منها سراعاً إلى ربهم
ينسلون: يعني يخرجون من قبورهم حفاة عراة، ثم يقفون موقفاً واحداً مقدار سبعين
عاماً لا ينظر اللَّه إليهم ولا يقضى بينهم فيبكون حتى تنقطع الدموع، ثم يبكوا
ندماً، ويعرقون حتى يبلغ ذلك منهم بأن يلجمهم، وأن يبلغ الأذقان ثم يُدعون إلى
المحشر، وذلك قوله عز وجل {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِي} أي ناظرين قاصدين مسرعين
فإذا اجتمع الخلائق كلهم الجن والإنس وغيرهم، فبينما هم وقوف إذ سمعوا حِسَّاً من
السماء شديداً فهالهم ذلك فتنشق السماء وتنزل ملائكة السماء الدنيا كمثل من في
الأرض فأخذوا مَصَافَّهُم، فقال لهم الناس أفيكم ربنا: يعني أفيكم أمر ربنا
بالحساب؟ قالوا لا وهو يأتي يعني يأتي أمره بالحساب، ثم ينزل أهل السماء الثانية
فيقومون صفاً خلف أهل سماء الدنيا، ثم تنزل ملائكة أهل السماء الثالثة حتى تنزل
ملائكة السموات السبع على قدر التضعيف ويقومون حول أهل الدنيا.
(قال الفقيه): حدثنا محمد بن الفضل قال: أنبأنا محمد بن جعفر
قال: أنبأنا إبراهيم ابن يوسف قال: أنبأنا محمد بن الفضل عن الأجلح عن الضحاك قال:
إن اللَّه تعالى يأمر سماء الدنيا فتنشق بما فيها من الملائكة فينزلون فيحيطون
بالأرض ومن فيها، ثم الثانية ومن فيها ثم الثالثة ومن فيها، ثم الرابعة ومن فيها،
ثم الخامسة ومن
فيها، ثم السادسة ومن فيها، ثم السابعة ومن فيها حتى يكونوا سبع
صفوف من الملائكة بعضهم في جوف بعض، وأهل الأرض لا يأتون قطراً من أقطارها إلا
وجدوا عنده سبع صفوف من الملائكة فذلك قوله تعالى {يَا مَعْشَرَ الجِنِّ وَالإِنسِ
إِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ} وقال {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ
بِالغَمَامِ وَنُزِّلَ المَلائِكَةُ تَنزِيلاً}.
وروى أبو هريرة رضي
اللَّه عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال "إن اللَّه تعالى يقول ما معشر
الجن والإنس إني نصحت لكم، فإنما هي أعمالكم في صحفكم فمن وجد خيراً فليحمد
اللَّه
تعالى ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، ثم يأمر اللَّه تعالى جهنم
فيخرج منها عنق طويل ساطع مظلم متكلماً فيقول اللَّه {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ
يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ،
وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ، وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاً
كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ، هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ
تُوعَدُونَ، اصْلَوْهَا اليَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} فتجثوا الأمم وذلك
قوله تعالى {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى
كِتَابِهَا} الآية، فيقضي اللَّه تعالى بين خلقه ويقضي بين الوحوش والبهائم حتى إنه
لينتقم للشاة الجماء من ذات القرن. ثم يقول كوني تراباً فعند ذلك يقول الكافر: {يَا
لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً} ثم يقضى بين العباد.
وروى نافع عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم
أنه قال يحشر الناس يوم القيامة كما ولدتهم أمهاتهم حفاة عراة فقالت عائشة رضي
اللَّه عنها الرجال والنساء؟ قال: نعم، فقالت عائشة واسوأتاه ينظر بعضهم إلى بعض،
فضرب على منكبها وقال: يا ابنة ابن أبي قحافة شغل الناس يومئذ عن النظر وشخصوا
بأبصارهم إلى السماء موقوفين أربعين سنة لا يأكلون ولا يشربون، فمنهم من يبلغ العرق
قدميه ومنهم من يبلغ ساقيه ومنهم من يبلغ بطنه ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً من طول
الوقوف، ثم تقوم الملائكة حافين من حول العرش فيأمر اللَّه تعالى منادياً ينادي أين
فلان ابن فلانة فيشرف الناس: أي فيرفع الناس رؤوسهم لذلك الصوت، ويخرج ذلك المنادي
من ذلك الموقف فإذا وقف بين يدي رب العالمين قيل أين أصحاب المظالم؟ فينادى رجلاً
رجلاً فيؤخذ من حسناته وتدفع إلى من ظلمه فيومئذ لا دينار ولا درهم إلا أخذ من
الحسنات ورد من السيآت، فلا يزالون يستوفون من حسناته حتى لا يبقى له حسنة فيؤخذ من
سيآتهم فتردّ عليه فإذا فرغ من حسناته قيل له ارجع إلى أمك الهاوية: أي جهنم، فإنه
{لا ظُلْمَ اليَوْمَ إِنَّ اللَّه سَرِيعُ الحِسَابِ} يعني سريع المجازاة، فلا يبقى
يومئذ ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا شهيد إلا ظن لما يرى من شدة الحساب أن لا ينجو إلا
من عصمه اللَّه تعالى".
وروى عن معاذ بن جبل رضي اللَّه عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه
قال "لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن جسده فيم أبلاه،
وعن علمه فيم عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه" وعن عكرمة رضي اللَّه
تعالى عنه قال "إن الوالد يتعلق بولده يوم القيامة فيقول: يا بني إني كنت لك والداً
في الدنيا وأباً لك فيثنى عليه خيراً، فيقول له يا بني قد احتجت إلى مثقال ذرة من
حسناتك لعلّي أنجو مما ترى فيقول له ولده إني أتخوّف على نفسي مثل الذي تخوفت فلا
أطيق أن أعطيك شيئاً، ثم يتعلق بزوجته فيقول لها يا فلانة إني كنت لك زوجاً في
الدنيا فتثنى عليه خيراً، فيقول لها إني أطلب منك حسنة واحدة تهديها لي لعلّي أنجو
مما ترين، فتقول لا أطيق ذلك إني أتخوف على نفسي مثل الذي تخوفت منه، فيقول اللَّه
عز وجل {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ
وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} يعني الذي أثقلته الذنوب لا يحمل أحد عنه شيئاً من
ذنوبه.
وروى ابن مسعود رضي اللَّه عنه عن النبي صلى
اللَّه عليه وسلم أنه قال "إن الكافر ليلجم بعرقه من طول ذلك اليوم حتى يقول يا رب
ارحمني ولو إلى النار".
(قال الفقيه) أبو جعفر رحمه اللَّه تعالى: حدثنا محمد بن الفضل قال:
حدثنا مومل قال: حدثنا حماد عن علي بن زيد عن أبي نضرة بإسناده عن ابن عباس رضي
اللَّه تعالى عنهما عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال "لم يكن نبيّ قط
إلاّ كانت له دعوة مستجابة فعجلها في الدنيا، وإني استخبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم
القيامة، ألا وأنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا أوّل من تنشق عنه الأرض ولا فخر،
ولواء الحمدي بيدي يوم القيامة تحته آدم ومن دونه من البشر ولا فخر، ثم قال: يشتد
يوم القيامة غمه وكربه في الناس فيأتون آدم عليه السلام فيقولون له: يا أبا البشر
اشفع لنا إلى ربك ليقضي بيننا فيقول لست هناك، إني قد أخرجت من الجنة بخطيئتي وليس
يهمني اليوم إلا نفسي، ولكن عليكم بنوح فإنه أوّل المرسلين، فيأتون نوحاً عليه
السلام ويقولون: اشفع لنا إلى ربك ليقضي بيننا فيقول: لست هناك، إني دعوت دعوة
أغرقت بها أهل الأرض وإنه ليس يهمني اليوم إلا نفسي، ولكن ائتوا إلى إبراهيم الذي
اتخذه اللَّه خليلاً، فيأتون إبراهيم عليه السلام، فيقولون اشفع لنا إلى ربك ليقضي
بيننا، فيقول: لست هناك إني قد كذبت في الإسلام ثلاث كذبات، قال رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم والثلاثة جادل بهن عن دين اللَّه تعالى إحداها قوله تعالى
{فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ، فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} والثانية قوله {بَلْ
فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} والثالثة قوله {لامرأته إنها أختي} وليس يهمني اليوم
إلاّ نفسي، ولكن ائتوا موسى الذي كلمه اللَّه تكليماً فيأتون موسى فيقولون: اشفع
لنا إلى ربك ليقضي بيننا، فيقول لست هناك إني قتلت نفساً بغير حق وإني لا يهمني
اليوم إلا نفسي، لكن ائتوا عيسى روح اللَّه وكلمته، فيأتونه فيقولون اشفع لنا إلى
ربك ليقضي بيننا فيقول لست هناك إني اتخذت أنا وأمي إلهين من دون اللَّه وإني لا
يهمني اليوم إلا نفسي، ولكن أرأيتم لو كان لأحدكم بضاعة فجعلها في كيس وختم عليها
أكان يصل إلى ما في الكيس حتى يفض الختم؟ فيقولون: لا، فيقول: إن محمداً صلى اللَّه
عليه وسلم ختمت به الأنبياء وقد وافى اليوم وقد غفر اللَّه له ما تقدم من ذنبه وما
تأخر، ائتوه. قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: فيأتيني الناس فأقول نعم، أنا
لها، أنا لها، حتى يأذن اللَّه لمن يشاء ويرضى، فيلبث ما شاء اللَّه أن يلبث فإذا
أراد اللَّه أن يقضي بين خلقه نادى مناد أين محمد صلى اللَّه عليه وسلم وأمته فنحن
الآخرون الأولون: يعني آخر الناس في الدنيا وأولهم في الحساب يوم القيامة، فأقوم
أنا وأمتي فيفرج الأمم عن طريقنا فنمر غراً محجلين من آثار الطهور، ويقول لنا
الناس: كادت هذه الأئمة أن تكون كلها أنبياء، ثم أتقدم إلى باب الجنة فأستفتح فيقال
من هذا؟ فأقول أنا محمد رسول الله، فيفتح لي فأدخل وأخرّ لربي ساجداً، وأحمده
بمحامد لم يحمده بها أحد قبلي، ولا يحمده أحد بها بعدي، فيقال ارفع رأسك وقل تسمع
وسل تعط واشفع تشفع، فأرفع رأسي فأشفع لمن كان في قلبه مثقال شعيرة أو ذرة من
الإيمان: يعني من اليقين مع شهادة أن لا إله إلا اللَّه وأن محمداً رسول
الله".
وروى عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه أنه دخل المسجد وكعب الأحبار يحدث
الناس، فقال له عمر رضي اللَّه عنه خوفنا يا كعب الأحبار، فقال: والله إن لله
ملائكة قياماً من يوم خلقهم اللَّه ما ثنوا أصلابهم، وآخرين سجدوا ما رفعوا رؤوسهم،
حتى ينفخ في الصور، فيقولون جميعاً: سبحانك اللهم وبحمدك ما عبدناك حق عبادتك وحق
ما ينبغي لك أن تعبد، والذي نفسي بيده إن جهنم لتقرب يوم القيامة لها زفير وشهيق
حتى إذا دنت وقربت زفرت زفرة فلم يبق نبيّ ولا شهيد إلا جثا على ركبتيه ساقطاً،
يقول كل نبي وكل صديق وكل شهيد يا رب لا أسألك إلا نفسي، وينسى إبراهيم إسمعيل
وإسحق، فيقول يا رب أنا خليلك إبراهيم: فلو كان لك يا ابن الخطاب يومئذ عمل سبعين
نبياً لظننت أنك لا تنجو، فبكى القوم حتى شجوا فلما رأى عمر رضي اللَّه تعالى عنه
ذلك قال: يا كعب بشرنا، فقال أبشروا فإن لله تعالى ثلثمائة وثلاثة عشر شريعة لا
يأتي العبد يوم القيامة بواحدة منهن مع كلمة الإخلاص إلا أدخله اللَّه الجنة، والله
لو تعلمون كنه رحمة اللَّه تعالى لأبطأتم في العمل.
يا
أخي استعدّ لمثل هذا اليوم بالأعمال الصالحة والاجتناب عن المعاصي فإنك عن قريب
تعاين يوم القيامة وتندم على ما فات من أيام عمرك. واعلم أنك إذا متّ فقد قامت
قيامتك كما قال المغيرة بن شعبة: إنكم تقولون القيامة القيامة إنما قيامة أحدكم
موته، وذكر عن علقمة بن قيس إنه كان في جنازة رجل فقام على القبر فلما دفن قال أما
هذا العبد فقد قامت قيامته وإنما قال ذلك لأن الإنسان إذا مات فقد عاين أمر يوم
القيامة لأنه يرى الجنة والنار والملائكة، ولا يقدر على عمل من الأعمال فصار بمنزلة
من حضر يوم القيامة فختم على عمله بالموت فيقوم يوم القيامة على ما مات عليه فطوبى
لمن كانت خاتمته بالخير. قال أبو بكر الواسطي: الدول ثلاثة: دولة الحياة، ودولة عند
الموت، ودولة يوم القيامة، فأما دولة الحياة فإنه يعيش في طاعة اللَّه تعالى، وأما
دولته عند الموت بأن تخرج روحه مع شهادة أن لا إله إلا الله، وأما الدولة الصحيحة
فدولة يوم القيامة البشرى فحين يخرج من قبره يأتيه البشير بالجنة. وذكر عن يحييى بن
معاذ الرازي رحمه اللَّه أنه قرئ في مجلسه هذه الآية {يَوْمَ نَحْشُرُ المُتَّقِينَ
إِلَى الرَّحْمَانِ وَفْداً} أي ركباناً {وَنَسُوقُ المُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ
وِرْداً} يعني مشاة عطاشاً فقال: أيها الناس مهلاً مهلاً غداً تحشرون إلى الموقف
حشراً حشراً، وتأتون من الأطراف فوجاً فوجاً، وتوقفون بين يدي اللَّه فرداً فرداً،
وتسألون عما فعلتم حرفاً حرفاً، وتقاد الأولياء إلى الرحمن وفداً وفداً، ويرد
العاصون إلى عذاب اللَّه ورداً ورداً، ويدخلون جهنم حزباً حزباً، وكل هذا {كَلَّا
إِذَا دُكَّتْ الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً، وَجَاءَ رَبُّكَ وَالمَلَكُ صَفّاً صَفّاً}
ويجاء بجهنم يومئذ ويلاً ويلاً. إخواني الويل لكم من يوم كان مقداره خمسين ألف سنة،
يوم الراجفة، يوم الآزفة يوم القيامة يوم الحسرة والندامة فذلك يوم عظيم، يوم يقوم
الناس لرب العالمين، وهو يوم المناقشة ويوم المحاسبة، ويوم الموازنة ويوم المساءلة،
ويوم الزلزلة، ويوم الصيحة ويوم الحاقة، ويوم القارعة، ويوم النشور ويوم ينظر المرء
ما قدمت يداه ويوم التغابن ويوم يصدر الناس أشتاتاً ليروى أعمالهم، ويوم تبيض وجود
وتسودّ وجوه، ويوم لا يغنى مولى عن مولى شيئاً، ويوم لا يغنى عنهم كيدهم شيئاً،
ويوم لا يجزى والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً {يَوْماً كَانَ شَرُّهُ
مُسْتَطِيراً} أي منتشراً فاشياً، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم
سوء الدار {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا} {يَوْمَ
تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ
حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ
عَذَابَ اللَّه شَدِيدٌ} وقال مقاتل بن سليمان: تقف الخلق يوم القيامة مائة سنة في
العرق ملجمون، ومائة سنة في الظلمة متحيرون، ومائة سنة يموج بعضهم في بعض عند ربهم
يختصمون، ويقال إن يوم القيامة مقداره خمسون ألف سنة، وإنه ليمضي على المؤمن المخلص
كما يمضي عليه ساعة واحدة، فعليك أيها العاقل بأن تصبر على شدائد الدنيا في طاعة
اللَّه تعالى ليسهل عليك الشدائد يوم القيامة.