الرجلين أحدهما أكثر صوما وصلاة وصدقة وإن الآخر أفضل منه ثواب، قيل له كيف يكون ذلك؟ قال هو أشدّهما ورعا. قال: حدثنا محمد بن داود حدثنا محمد بن جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسف حدثنا عبد العزيز بن أبان عن أبي معشر عن عمارة أنه قال "لما توجه عبد اللَّه بن رواحة نحو قرية مؤتة قال يا رسول اللَّه أوصني؟ قال إنك تقدم أرضا السجود بها قليل فاستكثر من السجود بها قال زدني؟ قال اذكر اللَّه فإنه عون لك على ما تطلب، فولى ثم رجع إليه فقال يا رسول اللَّه زدني، قال اذكر اللَّه تعالى فإن اللَّه تعالى وتر يحبب الوتر، قال زدني؟ قال نعم لا تعجزن لا تعجزن لا تعجزن إن أسأت عشرا أن تحسن واحدة" قال: حدثنا عبد الوهاب بن محمد بإسناده عن أنس بن مالك رضي اللَّه تعالى عنه وعنهم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال "تقبلوا لي ستا أتقبل لكم الجنة: إذا حدثتم فلا تكذبوا، وإذا وعدتم فلا تخلفوا، وإذا أئتمنتم فلا تخونوا، وغضوا أبصاركم واحفظوا فروجكم وكفوا أيديكم وأرجلكم عن الحرام تدخلوا جنة ربكم"، وعن الحسن عن عمران بن الحصين رضي اللَّه تعالى عنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال "قال اللَّه تعالى: عبدي أدّ ما افترضت عليك تكن من أعبد الناس، وانته عما نهيتك عنه تكن من أورع الناس واقنع بما رزقتك تكن من أغنى الناس" وعن فضيل بن عياض رضي اللَّه تعالى عنه أنه قال: خمس من علامات السعادة: اليقين في القلب، والورع في الدين، والزهد في الدنيا، والحياء في العينين، والخشية في البدن. وخمس من علامات الشقاوة: القسوة في القلوب، والجمود في العينين، وقلة الحياء، والرغبة في الدنيا، وطول الأمل. وعن عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه أنه قال: كنا ندع تسعة أعشار من الحلال مخافة أن نقع في الشبهة أو في الحرام. وعن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تعالى عنه نحو هذا.
(قال الفقيه) رحمه الله: علامة الورع أن يرى عشرة أشياء فريضة على نفسه: أوّلها حفظ اللسان عن الغيبة لقوله تعالى {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} والثاني الاجتناب عن سوء الظن لقوله تعالى {اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}ولقول النبي صلى اللَّه عليه وسلم "إياكم والظن فإنه أكذب الحديث" والثالث الاجتناب عن السخرية لقوله تعالى {لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ} والرابع: غض البصر عن المحارم لقوله تعالى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} والخامس: صدق اللسان لقوله تعالى {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا} والسادس أن يعرف نعمة اللَّه على نفسه لكيلا يعجب بنفسه لقوله تعالى {بَلْ اللَّه يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} والسابع: أن ينفق ماله في الحق ولا ينفقه في الباطل لقوله تعالى {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} يعني لم ينفقوا في المعصية ولم يمنعوا من الطاعة {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} أي عدلا، والثامن أن لا يطلب لنفسه العلوّ والكبر لقوله تعالى {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً} والتاسع: المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها بركوعها وسجودها لقوله تعالى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} والعاشر: الاستقامة على السنة والجماعة لقوله تعالى {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} وقال محمد بن كعب القرظي: ثلاث خصال إن استطعت أن لا تترك شيئا منها أبدا فافعل: لا تبغين على أحد فإن اللَّه تعالى يقول {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} ولا تمكرن على أحد مكرا فإن اللَّه تعالى يقول {وَلا يَحِيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ} ولا تنكثن عهدا أبدا فإن اللَّه تعالى يقول {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} وقال إبراهيم بن أدهم رحمه اللَّه تعالى: الزهد ثلاث أصناف: زهد فرض وزهد فضل وزهد سلامة فالزهد الفرض هو الزهد في الحرام والزهد الفضل هو الزهد في الحلال وزهد السلامة هو الزهد في الشبهات، وقال أيضاً: الورع ورعان: ورع فرض وورع حذر، فالورع الفرض الورع عن معاصي اللَّه تعالى، والورع الحذر الورع عن الشبهات، والحزن حزنان: حزن لك وحزن عليك، فالحزن الذي هو لك حزنك على الآخرة، والحزن الذي هو عليك حزنك على الدنيا وزينتها.
(قال الفقيه) رحمه الله: الورع الخالص أن يكفّ بصره عن الحرام، ويكفّ لسانه عن الكذب والغيبة، ويكف جميع أعضائه وجميع جوارحه عن الحرام. وروى عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه أنه أتى بزيت من الشام وكان الزيت في الجفان: يعني في القصاع، وعمر يقسمه بين الناس بالأقداح وعنده ابن له شعرات فكلما أفرغت جفنة مسح بقيتها برأسه، فقال له عمر رضي اللَّه تعالى عنه: أرى شعرك شديد الرغبة على زيت المسلمين، ثم أخذ بيده فانطلق إلى الحجام فحلق شعره وقال: هذا أهون عليك. وروى عن إبراهيم بن أدهم رحمه اللَّه تعالى أنه استأجر دابة إلى عمان، فبينما هو يسير إذ سقط سوطه فنزل عن الدابة وربطها وذهب راجلا فأخذ السوط، فقيل له لو حوّلت رأس دابتك فأخذت السوط؟ فقال: إنما استأجرتها لتذهب ولم أستأجرها لترجع. وعن أبي رزين عن معاذ رضي اللَّه تعالى عنهما قال "كنت مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو على حمار عليه برذعة، فقال يا معاذ أتدري ما حق اللَّه على العباد؟ قلت اللَّه ورسوله أعلم، قال أن يعبدوا اللَّه ولا يشركوا به شيئا، ثم قال وهل تدري ما حق العباد على اللَّه تعالى إذا فعلوا ذلك؟ قلت اللَّه ورسوله أعلم، قال أن يدخلهم الجنة".