(قال الفقيه) أبو الليث
السمرقندي رضي اللَّه تعالى عنه: حدثنا الفقيه أبو جعفر حدثنا عليّ بن أحمد حدثنا
محمد بن سلمة ابن أبي شبية حدثنا غندر عن شعبة
عن الحكم عن عروة بن الزبير عن معاذ
بن جبل رضي اللَّه تعالى عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال "ألا أدلكم
على أبواب الخبر؟ قلت نعم، قال: الصوم جنة، والصدقة برهان وقيام العبد في جوف الليل
يطفئ كل خطيئة".
(قال الفقيه) رحمه اللَّه تعالى: حدثنا الفقيه أبو جعفر حدثنا
علي بن أحمد حدثنا محمد بن الفضيل حدثنا مؤمل بن إسمعيل حدثنا حماد بن زيد عن واصل
بن يسار عن الوليد بن عبد الرحمن عن الحرث عن أبي عبيدة رضي اللَّه تعالى عنه قال:
سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول "الصوم جنة ما لم يخرقها" يعني ما لم
يخرقها بالغيبة.
(قال الفقيه) أبو جعفر حدثنا علي بن
أحمد حدثنا عيسى بن أحمد رفعه إلى الحسن رحمهم اللَّه تعالى قال أربع من زاد
الآخرة: الصوم صحة النفس، والصدقة ستر ما بينه وبين النار، والصلاة تقرّب العبد إلى
ربه، والدموع تمحو الخطيئة.
(قال الفقيه) رضي
اللَّه تعالى عنه: يقال أصل الطاعة ثلاثة أشياء: الخوف، والرجاء والحب، فعلامة
الخوف ترك المحارم، وعلامة الرجاء الرغبة في الطاعة، وعلامة الحب الشوق والإنابة.
وأصل المعصية ثلاثة أشياء: الكبر، والحرص، والحسد. فأما الكبر: فقد ظهر من إبليس
حيث أمر بالسجود فاستكبر حتى صار ملعونا، وأما الحرص فقد ظهر على آدم عليه السلام
حيث تناول من الشجرة لكي يخلد في الجنة فأخرج منها، وأما الحسد فقد ظهر على ابن آدم
قابيل فقتل أخاه حتى أدخل النار. فالواجب على كل أحد أن يجتنب كل المعاصي ويجتهد في
الطاعة ويخلص في طاعته لوجه اللَّه تعالى، فقد روى عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم
أنه قال "من أخلص العبادة لله تعالى أربعين يوماً ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على
لسانه" ويقال: ثلاثة يزرعون لأنفسهم في القلوب المقت ويوجبون السخط ويهدمون ما
يبنون: أحدهم المشتغل بعيوب الناس، والثاني المعجب بنفسه، والثالث المرائي بعمله.
وثلاثة أصناف يزرعون المحبة في القلوب ويرثون العافية والمنزلة في أهل السماء:
أحدهم صاحب الخلق الحسن، والثاني المخلص بعمله، والثالث المتواضع. وروى عن عمر بن
الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه أنه قال: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا فإنه أيسر
وأهون لحسابكم، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتجهزوا للعرض الأكبر {يَوْمَئِذٍ
تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} وروى عن يحيى بن معاذ رضي اللَّه تعالى
عنه أنه قال: الناس ثلاثة أصناف: رجل يشغله معاده عن معاشه، ورجل يشغله معاشه عن
معاده، ورجل مشتغل بهما جميعاً. فالأوّل درجة الفائزين والعابدين، والثاني درجة
الهالكين، والثالث درجة المخاطرين. وذكر عن حاتم الزاهد أنه قال: أربعة لا يعرف
قدرها إلا أربعة: قدر الشباب لا يعرّف قدره إلا الشيوخ، ولا يعرف قدر العافية إلا
أهل البلاء، ولا قدر الصحة إلا المرضى، ولا قدر الحياة إلا
الموتى.
(قال الفقيه) رضي
اللَّه تعالى عنه: هذا مستخرج من خبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم "اغتنم
خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك،
وحياتك قبل موتك" فينبغي للإنسان أن يعرف قدر حياته ويغتنم كل ساعة تأتي عليه ويقول
لا أدري كيف يكون حالي في ساعة أخرى، ويتفكر في ندامة الموتى وإنهم يتمنون الحياة
مقدار ركعتين أو مقدار قول لا إله إلا الله، وإنك قد قلتها فاجتهد في عبادة اللَّه
تعالى قبل أن يأتيك وقت الندامة والحسرة. وقيل لحاتم رضي اللَّه تعالى عنه علام
بنيت عملك؟ قال على أربع: أحدها أني علمت أن لي رزقاً لا يجاوزني إلى غيري كما لا
يجاوز رزق أحد إليّ فوثقت به، والثاني علمت أن عليّ فرضاً لا يؤديه غيري فأنا مشغول
به، والثالث علمت أن ربي يراني كل وقت فأستحي منه: والرابع علمت أن أجلاً يبادرني
فأنا أبادره.
(قال الفقيه) رضي
اللَّه تعالى عنه: المبادرة إلى الأجل والاستعداد بالأعمال الصالحة والامتناع عما
نهى اللَّه والتضرّع إلى اللَّه تعالى لكي يثبته على ذلك ويجعل خاتمته في خير. وقال
بعض الحكماء: لا يجد الرجل حلاوة العبادة حتى يدخل في العبادة بالنية ويرى المنة
لله ويعمل بالخشية ويسلمه بالإخلاص، لأنه إذا دخل فيه بالنية فيعلم أن اللَّه تعالى
قد وفقه لذلك العمل، وإذا رأى للله عليه المنة فيدخل فيه بالشكر فكان له من اللَّه
الزيادة لأن اللَّه تعالى قال {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ
كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} وإذا عمله بالخشية وجب ثوابه على اللَّه
تعالى قال اللَّه تعالى {إِنَّ اللَّه لَا يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ} والثواب
في الدنيا هو الحلاوة في الطاعة وفي الآخرة الجنة، وإذا سلمه بالإخلاص تقبله اللَّه
منه" وعلامة القبول أن يوفقه لطاعة هي أرفع منه. ويقال علامة الاغترار في ثلاثة
أشياء: أن يجمع مالا يخلفه والثاني زيادة الذنوب تهلكه، والثالث ترك عمل ينجيه.
وعلامة المنيب يعني المقبل إلى اللَّه تعالى ثلاث خصال: أولها أن يجعل قلبه للتفكر،
والثاني أن يجعل لسانه للذكر، والثالث أن يجعل بدنه للخدمة. ويقال للمخادع نفسه
ثلاث علامات: أحدها أن يبادر إلى الشهوات ويأمن الزلل، والثاني يسوّف التوبة بطول
الأمل، والثالث يرجو الآخرة بغير عمل. قال بعض الحكماء: من ادعى ثلاثا بغير ثلاث
فاعلم أن الشيطان يسخر منه: أولها من ادّعى حلاوة ذكر اللَّه مع حب الدنيا، والثاني
من ادّعى رضا خالقه من غير سخط نفسه، والثالث من ادّعى الإخلاص مع حب ثناء
المخلوقين. وعن أبي نضرة قال: أربع من كنّ فيه فلم يزدد بهنّ خيرا فذاك الذي لم
يتقبل اللَّه منه عمله ذلك: أوّلها من غزا ثم رجع فلم يزدد خيرا فذاك آية أنه لم
يتقبل اللَّه منه ومن صام شهر رمضان ولم يزدد خيرا فذاك آية أنه لم يتقبل اللَّه
منه، ومن حج فرضا فلم يزدد خيرا فذاك آية أنه لم يتقبل اللَّه منه، ومن مرض فعوفى
فلم يزدد خيرا فذاك آية أنه لم تكفر عنه ذنوبه. ويقال ينبغي للعاقل أربعة أشياء حتى
يصلح عمله ولا يضيع اجتهاده: أوّلها العلم ليكون علمه حجة، والثاني التوكل حتى يكون
له في العبادة فراغ ومن الخلق إياس، والثالث الصبر ليتم به العمل، والرابع الإخلاص
لينال به الأجر. وقال الحسن البصري رحمه اللَّه تعالى: ما طلب رجل هذا الخير يعني
الجنة إلا اجتهد ونحل وذبل واستمرّ أي استقام حتى يلقى اللَّه تعالى ألا نرى إلى
قول اللَّه {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّه ثُمَّ اسْتَقَامُوا} وقال بعض
الحكماء: علامة الذي استقام أن يكون مثله كمثل الجبل لأن الجبل له أربع علامات:
أحدها أنه لا يذيبه الحرّ، والثاني لا يجمده البرد، والثالث لا تحركه الريح،
والرابع لا يذهبه السيل. فكذا المستقيم له أربع علامات:أحدها إذا أحسن إليه إنسان
لا يحمله إحسانه على أن يميل إليه بغير حق، والثاني إذا أساء إليه إنسان لا يحمله
ذلك على أن يكون بغير حق، والثالث أن هوى نفسه لا يحوّله عن أمر اللَّه تعالى،
والرابع أن حطام الدنيا لا يشغله عن طاعة اللَّه عزّ وجل. ويقال سبعة أشياء من كنوز
البرّ وكل واحد من ذلك واجب بكتاب اللَّه تعالى: أوّلها الإخلاص في العبادة لقول
اللَّه عزّ وجل {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّه مُخْلِصِينَ لَهُ
الدِّينَ حُنَفَاءَ}، والثاني برّ الوالدين لقوله عزّ وجل {أَنْ اشْكُرْ لِي
وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ المَصِيرُ}، والثالث صلة الرحم لقوله عزّ وجل {وَاتَّقُوا
اللَّه الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ}، والرابع أداء الأمانة لقوله
تعالى {إِنَّ اللَّه يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}،
والخامس أن لا يطيع أحدا في المعصية لقول اللَّه عزّ وجل {وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا
بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ}، والسادس أن لا يعمل بهوى نفسه لقول اللَّه
عزّ وجل {وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الهَوَى}، والسابع أن يجتهد في الطاعة ويخاف
اللَّه تعالى ويرجو ثوابه لقوله تعالى {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً
وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}، فالواجب على كل إنسان أن يكون خائفا باكيا فإن
الأمر شديد. وروى في الخبر أن عيسى عليه الصلاة والسلام مرّ بقرية وفي تلك القرية
جبل وفي الجبل بكاء وانتحاب كثير، فقال لأهل القرية ما هذا البكاء وهذا الانتحاب في
هذا الجبل؟ قالوا يا عيسى منذ سكنا هذه القرية نسمع هذا البكاء وهذا الانتحاب بهذا
الجبل، فقال عيسى عليه السلام: يا رب ائذن هذا الجبل أن يكلمني؟ فأنطق اللَّه الجبل
فقال: يا عيسى ما أردت مني؟ قال: أخبرني ببكائك وانتحابك ما هو؟ قال يا عيسى أنا
الجبل الذي كانت تنحت مني الأصنام التي يعبدونها من دون اللَّه فأخاف أن يلقيني
اللَّه تعالى في نار جهنم فإني سمعت اللَّه يقول{فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي
وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ}فأوحى اللَّه تعالى إلى عيسى عليه الصلاة
والسلام أن قل للجبل اسكن فأني قد أعذته من جْهنم، فالحجارة مع صلابتها وشدتها تخاف
اللَّه فكيف لا يكون المسكين الضعيف ابن آدم يخاف من النار ولا يتعوّذ بالله منها،
يا بن آدم احذر منها وإنما الحذر منها باجتناب الذنوب فإن بالذنوب يستوجب العبد سخط
اللَّه تعالى وعذابه ولا طاقة لك بعذاب اللَّه تعالى.
وروى عن أنس بن مالك
رضي اللَّه تعالى عنه قال "لما نزل قوله تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً
وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ
شَهِيداً} دمعت عينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثم قال: يا معشر الناس إن
اللَّه تعالى بعثني نبياً وأرسلني رسولاً واختاركم لنبيه وأشهدني عليكم وأشهدكم على
الأمم السالفة والقرون الماضية، فقام إليه رجل من الأنصار يقال له قيس بن عروة فقال
يا رسول اللَّه وكيف نشهد على الأمم السالفة ولم نكن منهم ولم يكونوا في زماننا؟
فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم يا ابن عروة إذا كان يوم القيامة وبدّلت الأرض غير
الأرض وطويت السموات كطي السجل للكتاب وحشر الخلائق فمنهم سود الوجوه ومنهم بيض
الوجوه فيقفون أربعين عاماً، قيل يا رسول اللَّه ماذا ينتظرون؟ قال: الصيحة التي
قال اللَّه تعالى {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِي لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتْ
الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَانِ فَلَا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً} يعني تحريك الشفتين من
غير نطق وهم يساقون إلى أرض لم يسفك عليها الدماء ثم يؤتى بالبهائم فيقتص لبعضها من
بعض ثم يقال لها كوني تراباً فتكون تراباً فذلك قوله تعالى {وَيَقُولُ الكَافِرُ
يَالَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً} ثم يؤتى بكل نبي وأمته ويحكم بينهم بالحق ففريق في
الجنة وفريق في السعير، ثم ينادي مناد أين نوح عليه السلام فيؤتى به، فيقول الله:
يا نوح هل بلغت الرسالة وأدّيت الأمانة؟ فيقول نعم يا رب بلغت الرسالة وأدّيت
الأمانة، فيؤتى بقومه فيقال: يا أمة نوح هذا نوح بعثته إليكم يدعوكم إلى كلمة
الإخلاص فهل بلغ إليكم الرسالة؟ فيقولون يا ربنا ما جاءنا من بشير ولا نذير، فيقول
اللَّه تعالى يا نوح هؤلاء أمتك أنكروك فهل من يشهد لك بذلك؟ فيقول نعم أمة محمد
صلى اللَّه عليه وسلم، فيناد مناد يا خير أمة أخرجت للناس يا صوام شهر رمضان؟
فيقومون من
الصفوف كما قال تعالى
في محكم تنزيله {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} فيقولون لبيك
داعي الله، فيقول اللَّه عز وجل: يا أمة محمد هل تشهدون لنوح؟ فيقولون أي رب نشهد
أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة، فتقول أمة نوح عليه السلام إن نوحاً أوّل نبي ومحمد
آخر نبي فكيف يشهدون لمن لم يدركوا زمانه، فيقولون في كتاب اللَّه عز وجل المنزل
على نبيه محمد صلى اللَّه عليه وسلم {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ}
الآية كنا قرأناه إلى آخره، فيقول اللَّه تعالى صدقتم يا أمة محمد وإني آليت على
نفسي أن لا أعذب أحداً إلا بحجة فتواهبوا يا أمة محمد المظالم فيما بينكم فإني قد
وهبت الذي بيني وبينكم".