(قال الفقيه) أبو الليث
السمرقندي رحمه اللَّه حدثنا محمد بن الفضل حدثنا محمد بن جعفر حدثنا إبراهيم بن
يوسف حدثنا أبو معاوية عن ليث عن مجاهد قال: قال لي عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه
تعالى عنهما: يا مجاهد إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك
بالصباح، وخذ من حياتك قبل مماتك ومن صحتك قبل سقمك فإنك لا تدري ما اسمك غدا، وقال
بعض الحكماء: إذا أصبح الرجل ينبغي أن ينوي أربعة أشياء: أوّلها أداء ما فرض اللَّه
عليه، والثاني اجتناب ما نهى اللَّه عنه، والثالث إنصاف من كان بينهم وبينه معاملة،
والرابع
إصلاح ما بينه وبين خصمائه، فإذا أصبح على هذه النيات أرجو أن يكون من
الصالحين المفلحين، وقيل لبعض الحكماء: بأيّ نية يقوم الرجل عن فراشه؟ قال لا يسأل
عن القيام حتى ينظر كيف ينام ثم يسأل عن القيام فمن لم يعرف كيف ينام لا يعرف كيف يقوم،
ثم قال لا ينبغي للعبد أن ينام ما لم يصلح أربعة أشياء: أوّلها أن لا ينام وله على
وجه الأرض خصم حتى يأتيه فيتحلل منه لأنه ربما يأتيه ملك الموت فيقدمه على ربه لا
حجة له عنده. والثاني لا ينبغي أن ينام وقد بقي عليه فرض من فرائض اللَّه تعالى.
والثالث لا ينبغي أن ينام ما لم يتب من ذنوبه التي سلفت منه لأنه ربما يموت من
ليلته وهو مصر على الذنوب. والرابع لا ينبغي أن ينام حتى يكتب وصية صحيحة لأنه ربما
يموت من ليلته من غير وصية. ويقال الناس يصبحون على ثلاثة أصناف: صنف في طلب المال،
وصنف في طلب الإثم، وصنف في طلب الطريق. فأما من أصبح في طلب المال فإنه لا يأكل
فوق ما رزقه اللَّه تعالى وإن كثر المال، ومن أصبح في طلب الإثم لحقه الهوان، ومن
أصبح في طلب الطريق آتاه اللَّه تعالى الرزق والطريق. وقال بعض الحكماء: من أصبح
لزمه أمران: الأمن، والخوفِ. فأما الأمن فهو أن يكون آمناً بما تكفل اللَّه له من
أمر رزقه، وأما الخوف فهو أن يكون خائفاً فيما أمر به حتى يتمه، فإذا فعل هذين
أكرمه اللَّه بشيئين: أحدهما القناعة بما يعطيه، والثاني حلاوة
الطاعة.
وروى سفيان الثوري عن
أبيه عن سعيد بن مسروق رحمهم اللَّه تعالى قال: كان الربيع بن خيثم إذا قيل له كيف
أصبحت قال أصبحنا ضعفاء مذنبين نأكل أرزاقنا وننتظر آجالنا. وعن مالك بن دينار قيل
له كيف أصبحت؟ قال كيف يصبح من كان منقلبه من دار إلى دار ولا يدري إلى الجنة يصير
أم إلى النار. وذكر أن عيسى بن مريم عليهما السلام قيل له كيف أصبحت يا روح الله؟
قال أصبحت لا أملك ما أرجو ولا أستطيع دفع ما أخاف، وأصبحت مرتهناً بعملي والخير
كله في يد غيري ولا فقير أفقر مني. وقيل لعامر بن قيس كيف أصبحت؟ قال أصبحت وقد
أوقرت نفسي من ذنوبي وأقرني اللَّه تعالى من نعمائه فلا أدري أعبادتي تكون تمحيصاً
لذنوبي أو شكراً لنعمة الله. وذكر عن محمد بن سيرين أنه قال لرجل كيف حالك؟ فقال:
كيف حال من عليه خمسمائة درهم ديناً وهو معيل، فدخل ابن سيرين منزله وأخرج ألف درهم
فدفعها إليه وقال خمسمائة إقض بها دينك وخمسمائة درهم أنفقها على عيالك، وكان ابن
سيرين لم يكن يسأل أحداً بعد ذلك كيف حالك مخافة أن يخبر عن حاله فيصير قيامه بأمره
واجباً عليه. وذكر عن إبراهيم بن أدهم قال من أصبح لزمه شكر أربعة أشياء: أولها أن
يشكر فيقول الحمد لله الذي نوّر قلبي بنور الهدى وجعلني من المؤمنين ولم يجعلني
ضالاً. والثاني أن يقول الحمد لله الذي جعلني من أمة محمد صلى اللَّه عليه وسلم.
والثالث أن يقول الحمد لله الذي لم يجعل رزقي بيد غيره. والرابع أن يقول الحمد لله
الذي ستر عليّ عيوبي. وعن شقيق بن إبراهيم قال: لو أن رجلاً عاش مائتي سنة ولا يعرف
هذه الأربعة أشياء فليس شيء أحق به من النار: أحدها معرفة اللَّه تعالى. والثاني
معرفة
عمل اللَّه تعالى. والثالث معرفة نفسه. والرابع معرفة عدوّ اللَّه وعدوّ
نفسه. فأما معرفة اللَّه تعالى فأن يعرفه في السرّ والعلانية لأنه لا معطي ولا مانع
غيره، وأما معرفة عمل اللَّه تعالى فأن يعرف أن اللَّه تعالى لا يقبل من العمل إلا
ما كان خالصاً لوجه اللَّه تعالى، وأما معرفة نفسه فإن يعرف ضعفه وأن لا يستطيع أن
يردّ شيئاً مما يقضى اللَّه تعالى عليه يعني يرضى بما قسم اللَّه له، وأما معرفة
عدوّ اللَّه وعدوّ نفسه فإن يعرفه بالشرّ فيجازيه بالمعرفة حتى
يكسره.
ويقال ما من يوم أصبح
فيه ابن آدم إلا فرض اللَّه عليه عشر أشياء: أوّلها أن يذكر اللَّه تعالى عند قيامه
لقوله تعالى {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} وقوله تعالى {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّه ذِكْراً كَثِيراً، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً
وَأَصِيلاً} والثاني ستر العورة لقوله تعالى {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ
عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} الآية، وأدنى الزينة ما يواري العورة. والثالث إتمام الوضوء
في أوقاتها لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى
الصَّلاةِ} الآية. والرابع إتمام الصلاة في أوقاتها لقوله تعالى {إِنَّ الصَّلاةَ
كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} يعني فرضاً مفروضاً مؤقتاً
معلوماً، والخامس الأمن بوعد اللَّه في شأن الرزق لقوله تعالى {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ
فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّه رِزْقُهَا} والسادس القناعة بقسم اللَّه تعالى
لقوله تعالى {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الحَيَاةِ
الدُّنْيَا}. والسابع التوكل على اللَّه لقوله تعالى {وَتَوَكَّلْ عَلَى الحَيِّ
الَّذِي لا يَمُوتُ، وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ}
والثامن الصبر على أمر اللَّه تعالى وقضائه لقوله تعالى {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ
رَبِّكَ} ولقوله تعالى {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} والتاسع
الشكر على نعمة اللَّه تعالى لقوله عز وجل {وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّه إِنْ
كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} وأول النعمة هي صحة الجسم وأعظم النعمة هي دين
الإسلام، ونعمه كثيرة قال اللَّه تعالى في محكم تنزيله {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ
اللَّه لا تُحْصُوهَا} والعاشر الأكل الحلال لقوله تعالى {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ
مَا رَزَقْنَاكُمْ} يعني حلالاً.
باب
التفكر
(قال الفقيه) رحمه
اللَّه حدثنا الخليل بن أحمد حدثنا العباس السراج حدثنا أبو رجاء قتيبة بن سعد
البغلاني حدثنا بن أبى زرارة الحلبي عن عطاء بن رباح قال: دخلت مع ابن عمر وعبيد بن
عمير على عائشة رضي اللَّه تعالى عنها فسلمنا عليها فقالت من هؤلاء؟ فقلنا عبد
اللَّه بن عمر وعبيد بن عمير فقالت مرحباً بك يا عبيد بن عمير ما لك لا تزورنا فقال
عبيد زرغباً تزدد حباً، فقال ابن عمر دعونا من هذا حدثينا بأعجب ما رأيت من رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فقالت كل أمره عجيب غير أنه أتاني في ليلتي فدخل معي
في فراشي حتى ألصق جلده بجلدي فقال يا عائشة أتأذنين لي أن أتعبد ربي؟ قلت والله
إني لأحب قربك ولأحب هواك فقام إلى قربة فتوضأ منها ثم قام فبكى وهو قائم حتى بلغت
الدموع حجره، ثم اتكأ على شقه الأيمن ووضع يده اليمنى تحت خده الأيمن فبكى حتى رأيت
الدموع بلغت الأرض، ثم أتاه بلال بعد ما أذن الفجر فلما رآه يبكي قال لم تبكي يا
رسول اللَّه وقد غفر اللَّه لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال يا بلال أفلا أكون
عبداً شكورا ومالي لا أبكي وقد نزلت عليّ الليلة {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ} إلى قوله {فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} ثم قال: ويل لمن قرأها ولم يتفكر
فيها" وروى في بعض الأخبار أن من نظر في النجوم وتفكر في عجائبها وفي قدرة اللَّه
تعالى ويقرأ {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ
النَّارِ} كتب له بعدد كل نجم في السماء حسنة. وروى عن عامر بن قيس أنه قال: أكثر
الناس فرحاً في الآخرة أطولها حزناً في الدنيا، وأكثر الناس ضحكاً في الآخرة أكثرهم
بكاء في الدنيا، وأخلص الناس إيماناً يوم القيامة أكثرهم تفكراً في
الدنيا.
قال: حدثنا الحاكم أبو
الحسن حدثنا إسحاق بن أحمد النسفي عن الحسين المروزي عن ابن المبارك عن محمد بن
شعيب عن النعمان عن مكحول عن أبي الدرداء رضي اللَّه تعالى عنه أنه قال: روى هذا
الخبر أيضاً مرفوعاً عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال "إن من الناس
ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشرّ ولهم بذلك أجر، ومن الناس ناساً مفاتيحاً للشر
مغاليق للخير وعليهم بذلك إصر يعني إثم كبير طوبى لمن جعل مفتاحاً للخير مغلاقاً
للشر، وتفكر ساعة لي خير من قيام ليلة" وروى الأعمش عن عمرو بن مرة "أن النبي صلى
اللَّه عليه وسلم مرّ بقوم يتفكرون فقال لهم: تفكروا في الخلق ولا تفكروا في
الخالق". وروى هشام ابن عروة عن أبيه عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال
"إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول من خلق السموات؟ فيقول اللَّه تعالى، فيقول من خلق
الأرض؟ فيقول اللَّه تعالى، فيقول من خلق الله؟ فإذا أحس أحدكم من ذلك شيئاً فليقل
آمنت بالله وبرسوله" وروى عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال "تفكر ساعة
أفضل من عبادة سنة".
(قال الفقيه) رضي اللَّه تعالى عنه: إذا أراد الإنسان أن
ينال أفضل التفكر فليتفكر في خمسة أشياء: أوّلها في الآيات والعلامات، والثاني في
الآلاء والنعماء، والثالث في ثوابه، والرابع في عقابه، والخامس في إحسانه إليه
وجفائه له، فأما التفكر في الآيات والعلامات فأن ينظر قدرة اللَّه تعالى فيما خلق
اللَّه تعالى من السموات والأرض وطلوع الشمس من مشرقهّا وغروبها في مغربها واختلاف
الليل والنهار وفي خلق نفسه كما قال اللَّه تعالى: {وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ
لِلْمُوقِنِينَ، وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ}، فإذا تفكر العبد في الآيات
والعلامات يزيد به يقيناً ومعرفة، وأما التفكر في الآلاء والنعماء فأن ينظر إلى نعم
اللَّه تعالى. وسئل بعض الحكماء عن الفرق بين الآلاء والنعماء فقال كل ما ظهر من
النعم فهو الآلاء وما بطن فهو النعماء، ومثل ذلك اليدان آلاؤه وقوّة اليدين نعماؤه
والوجه آلاؤه وحسن الوجه والجمال نعماؤه والفم آلاؤه وطعم الطعام نعماؤه والرجلان
آلاؤه والمشي نعماؤه، فإذا كان للعبد رجلان ولم يكن له قوّة المشي فقد أعطي الآلاء
ولم يعط النعماء والعروق والعظام آلاؤه وصحتها وسكونها نعماؤه. وقال بعضهم الآلاء
إيصال النعمة والنعماء دفع البلية، وقال بعضهم على ضدّ هذا، ويقال الآلاء والنعماء
واحد، قال اللَّه تعالى {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّه لا تُحْصُوهَا} فإذا
تفكر الإنسان في الآلاء والنعماء يزيد في المحبة، وأما التفكر في ثوابه فهو أن
يتفكر في ثواب ما أعدّ اللَّه لأوليائه في الجنة من الكرامات فإن التفكر في ثوابه
يزيده رغبة فيها واجتهادا في طلبها وقوّة في طاعة ربه، وأما التفكر في عقابه فهو أن
يتفكر فيما أعدّ اللَّه لأعدائه في النار من الهوان والعقوبة والنكال فإن التفكر في
ذلك يزيده رهبة ويكون له قوة على الامتناع من المعاصي، وأما التفكر في إحسانه إليه
فهو أن يتفكر في إحسان اللَّه تعالى وهو ما ستر عليه من ذنوبه ولم يعاقبه بها ودعاه
إلى التوبة وينظر في جفاء نفسه كيف ترك أوامره وارتكب معاصيه فإن التفكر في ذلك
يزيد الحياء والخجل، فإذا تفكر في هذه الخمسة أشياء فهو من الذين قال فيهم النبي
صلى اللَّه عليه وسلم "تفكر ساعة خير من عبادة سنة" ولا يتفكر فيما سوى ذلك فإن
التفكر فيما سوى ذلك وسوسة. وقال بعض الحكماء: لا تتفكر في ثلاثة أشياء: لا تتفكر
في الفقر فيكثر همك وغمك ويزيد في حرصك، ولا تتفكر في ظلم من ظلمك فيغلظ قلبك ويكثر
حقدك ويدوم غيظك، ولا تتفكر في طول البقاء في الدنيا فتحب الجمع وتضيع العمر وتسوف
في العمل. ويقال أصل الورع أن يتعاهد المرء قلبه لكي لا يتفكر فيما لا يعنيه، فكلما
ذهب قلبه إلى ما لا يعنيه عالجه حتى يرده إلى ما يعنيه وهو أشد الجهاد وأفضله
وأشغله لصاحبه، فمن لم يفعل ذلك في غير الصلاة يوشك أن لا يملك ذلك في الصلاة. وقال
بعض الحكماء: تمام العبادة في صدق النية، وتمام صلاح العمل في التواضع، وتمام هذين
بالزهد في الدنيا، وتمام هذه كلها بالهمّ والحزن في أمر الآخرة، وتمام الهمّ والحزن
ملازمة ذكر الموت بقلبك وكثرة التفكر في ذنوبك ويقال: أخلاق الأبدال عشرة أشياء:
سلامة الصدر، وسخاوة المال، وصدق اللسان، وتواضع النفس، والصبر في الشدة، والبكاء
في الخلوة، والنصيحة للخلق، والرحمة للمؤمنين، والتفكر في الفناء، والعبرة من
الأشياء. وقال مكحول الشامي رحمه الله: من أوى إلى فراشه ينبغي أن يتفكر فيما صنع
في يومه ذلك فإن كان عمل فيه خيرا يحمد اللَّه تعالى على ذلك وإن عمل ذنبا استغفر
اللَّه منه ورجع عن قريب، فإن لم يفعل كان كمثل التاجر الذي ينفق ولا يحسب حتى يفلس
ولا يشعر. وقال بعض الحكماء: الحكمة تهيج من أربعة أشياء. أولها: بدن فارغ من أشغال
الدنيا، والثاني بطن خال من طعام الدنيا، والثالث يد خالية من عروض الدنيا، والرابع
في التفكر في عاقبة الدنيا: يعني يتفكر في عاقبة أمره فإنه لا يدري كيف تكون عاقبته
ولا يدري أن أعماله تتقبل منه أم لا فإن اللَّه لا يتقبل من الأعمال إلا
الطيب.
(قال الفقيه) رضي
اللَّه تعالى عنه: سمعت جماعة من العلماء رفعوا الحديث إلى خالد بن معدان قال "قلت
لمعاذ بن جبل حدثني بحديث سمعته عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثم حفظته
وذكرته كل يوم من وقت ما حدثك به، فبكى معاذ رضي اللَّه تعالى عنه حتى قلت إنه لا
يسكت، ثم سكت ثم قال: فداك أبي وأمي يا رسول الله، حدثني وأنا رديفه فرفع بصره إلى
السماء فقال الحمد لله الذي يقضي في خلقه بما أحب، ثم قال: يا معاذ قلت لبيك يا
رسول اللَّه إمام الخير ونبي الرحمة، فقال أحدثك حديثاً ما حدث به نبي أمته إن
حفظته نفعك وإن سمعته ولم تحفظه انقطعت حجتك عند اللَّه يوم القيامة ثم قال: إن
اللَّه تعالى خلق سبعة أملاك قبل أن يخلق السموات والأرض لكل سماء ملك وجعل لكل باب
منها بواباً منهم فتكتب الحفظة عمل العبد من حين يصبح حتى يمسي ثم يرفع وله نور
كنور الشمس حتى إذا بلغ سماء الدنيا فيزكيه ويكثره فيقول الملك قف واضرب بهذا العمل
وجه صاحبه وقل له لا غفر اللَّه لك أنا صاحب الغيبة وهو يغتاب المسلمين ولا أدع
عمله أن يجاوزني إلى غيري قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد وله نور وضوء حتى ينتهي به
إلى السماء الثانية فيقول الملك قف واضرب بهذا العمل وجه صاحبه وقل له لا غفر
اللَّه لك إنه أراد بهذا العمل غرض الدنيا وأنا صاحب عمل الدنيا لا أدع عمله أن
يجاوزني إلى غيري. قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد مبتهجاً به بصدقة وصلاة كثيرة
فتعجب الحفظة فيتجاوزون إلى السماء الثالثة فيقول الملك قف واضرب بهذا العمل وجه
صاحبه وقل له لا غفر اللَّه لك أنا صاحب الكبر إنه من عمل وتكبر على الناس في
مجلسهم فقد أمرني ربي أن لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري. قال: وتصعد الحفظة بعمل
العبد وهو يزهو كما تزهو النجوم بتسبيح وصوم فتمرّ به إلى السماء الرابعة فيقول له
الملك قف واضرب بهذا العمل وجه صاحبه وقل له لا غفر اللَّه لك أنا ملك صاحب العجب
بنفسه إنه من عمل عملاً وأدخل فيه العجب فقد أمرني ربي أن لا أدع عمله يجاوزني إلى
غيري فيضرب بالعمل وجهه فيلعنه ثلاثة أيام. قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد مع
الملائكة كالعروس المرفوقة إلى زوجها فتمرّ به إلى ملك السماء الخامسة بالجهاد
والصلاة بين الصلاتين فيقول الملك قف واضرب بهذا العمل وجه صاحبه واحمله على عاتقه
إنه كان يحسد من يتعلم ويعمل لله فهو يحسدهم ويقع فيهم فيحمله على عاتقه وتلعنه
حفظته ما دام هو في الحياة. قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد بوضوء تام وقيام ليل
وصلاة كثيرة فيمر إلى السماء السادسة فيقول الملك قف واضرب بهذا العمل وجه صاحبه
أنا ملك صاحب الرحمة إن صاحبك لم يرحم شيئاً فإذا أصاب عبد من عباد اللَّه ذنباً أو
ضراً شمت به وقد أمرني ربي أن لا يجاوزني عمله إلى غيري. قال: وتصعد الحفظة بعمل
العبد بصدق واجتهاد وورع له ضوء كضوء البرق فتمرّ به إلى ملك السماء السابعة فيقول
الملك قف واضرب بهذا العمل وجه صاحبه واقفل عليه قلبه أنا ملك الحجاب أحجب كل عمل
ليس لله تعالى وأنه أراد به الرفعة وذكرا في المجالس وصيتاً في المدائن وقد أمرني
ربي أن لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري. قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد مبتهجا به من
خلق حسن وصمت وذكر كثير، وتشبعه ملائكة السموات حتى ينتهوا إلى تحت العرش فيشهدون
له فيقول اللَّه تعالى: أنتم الحفظة على عمل عبدي وأنا الرقيب على ما في نفسه إنه
لم يرد بهذا العمل وجهي وأراد غيري فعليه لعنتي، فتقول الملائكة كلهم عليه لعنتك
ولعنتنا، وتقول أهل السماء عليه لعنة اللَّه ولعنة سبع سموات وأرضين ولعنتنا، ثم
بكى معاذ رضي اللَّه تعالى عنه وقال: قلت يا رسول اللَّه ما أعمل؟ قال، اقتد بنبيك
يا معاذ وعليك باليقين وإن كان في عملك تقصير، واقطع لسانك عن إخوانك، ولتكن ذنوبك
عليك ولا تحملها على إخوانك ولا تزك نفسك بتذميم إخوانك، ولا ترفع نفسك بوضع
إخوانك، ولا تراء بعملك الناس" والله الموفق.
باب علامة
الساعة
(قال الفقيه) رحمه
اللَّه تعالى: حدثنا محمد بن الفضل حدثنا أبو القاسم عمر بن محمد حدثنا أبو بكر
الواسطي حدثنا إبراهيم بن يوسف حدثنا محمد بن الفضل الضبي عن عبد اللَّه بن الوليد
عن مكحول عن حذيفة بن اليمان رضي اللَّه تعالى عنه قال "جاء رجل إلى النبي صلى
اللَّه عليه وسلم فقال يا رسول اللَّه متى الساعة؟ قال ما المسئول عنها بأعلم من
السائل ولكن لها أشراط تقارب الأسواق: يعني كسادها، ومطر ولا نبات، وتفشوا العينة:
يعني أكل الربا، وتظهر أولاد البغية: يعني أولاد الزنى، ويعظم رب المال، وتعلو
أصوات الفسقة في المساجد، ويظهر أهل المنكر على أهل الحق. قال: وكيف تأمرني يا رسول
الله؟ قال صلى اللَّه عليه وسلم "فرّ بدينك أو كن حلساً من أحلاس بيتك" قال: حدثنا
عمر بن محمد حدثنا أبو بكر الواسطي حدثنا إبراهيم حدثنا عيسى بن أبي عيسى الأصفهاني
رفعه "قيل يا رسول اللَّه متى الساعة؟ قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل ولكن
أشراط الساعة عشرة: يقرب فيها الماحل، ويظهر فيها الفاجر، ويعجز فيها المنصف، وتكون
الصلاة مناً، والزكاة مغرماً، والأمانة مغْما، واستطالة القراء، فعند ذلك تكون
إمارة الصبيان، وسلطان النساء، ومشورة الإماء" قال حدثنا محمد بن الفضل حدثنا أبو
بكر حدثنا إبراهيم حدثنا جعفر بن عوف عن أبي حيان التيمي عن أبي زرعة عن عمرو قال
"جلس إلى مروان ثلاثة نفر بالمدينة فسمعوه يحدث عن الآيات أن أولها خروج الدجال،
فقام النفر من عند مروان فجلسوا إلى عبد اللَّه بن عمر فحدثوه بما قال مروان فقال
عبد الله: سمعت رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم يقول: إن أول الآيات طلوع الشمس من
مغربها أو الدابة إحداهما قريبة على أثر الأخرى، ثم أنشأ يحدث قال: وذلك أن الشمس
إذا غربت أتت تحت العرش فسجدت فاستأذنت في الرجوع فيؤذن لها، حتى إذا أراد اللَّه
أن تطلع من مغربها أتت تحت العرش فاستأذنت في الرجوع فلا يؤذن لها بشيء، ثم تعود
وتستأذن فلا يؤذن لها بشيء حتى إذا علمت أنه لو أذن لها لم تدرك المشرق قالت: رب ما
أبعدني عن الناس، حتى إذا كان الليل كالطوق أتت فاستأذنت قيل لها اطلعي من مكانك ثم
قرأ عبد اللَّه {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْساً
إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا
خَيْراً قُلْ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ}".
وعن عبيد بن عمير أن
النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال "ليصحبن الدجال أقوام يقولون إنا لنعلم أنه كاذب
ولكنا نصحبه لنأكل من الطعام ونرعى من الشجر فإذا نزل غضب اللَّه نزل عليهم كلهم"
وعن الحسن عن سمرة بن جندب أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال "إن الدجال خارج وهو
أعور العين اليمنى، وأنه يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى، فيقول للناس ما ربكم؟
فمن قال أنت ربي فقد فتن ومن قال ربي اللَّه حتى يموت على ذلك فقد عصم من فتنته
فيلبث في الأرض ما شاء اللَّه أن يلبث، ثم يجيء عيسى بن مريم عليه السلام من قبل
المغرب مصدقاً بمحمد صلى اللَّه عليه وسلم فيقتل الدجال، ثم قال إنما هي قيام
الساعة" وروى عن قتادة عن العلاء بن زياد العدوي عن عبد بن عمر قال: لا تقوم الساعة
حتى يجتمع أهل البيت على الإناء الواحد وهم يعلمون كافرهم ومؤمنهم، قيل وكيف ذلك؟
قال تخرج الدابة وهي ودابة الأرض فتمسح كل إنسان على مسجده فأما المؤمن فتكون نكتة
بيضاء فتفشو في وجهه حتى يبيض لها وجهه، وأما الكافر فتكون نقطة سوداء فتفشو في
وجهه حتى يسود لها وجهه، حتى يتبايعوا في أسواقهم فيقولون كيف تبيع هذا يا مؤمن
وكيف تأخذ هذا يا كافر فما يرد بعضهم على بعض. وعن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما
أنه قال: إن الدابة ذات زغب وريش لها أربع قوائم تخرج من بعض أودية تهامة وعن ابن
عمر رضي اللَّه تعالى عنهما في قول اللَّه تعالى {وَإِذَا وَقَعَ القَوْلُ
عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنْ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ
النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ} قال: الذين لا يأمرون بالمعروف ولا
ينهون عن المنكر: وروى أبو هريرة رضي اللَّه تعالى عنه عن النبي صلى اللَّه عليه
وسلم أنه قال "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت الشمس من مغربها
آمن الناس كلهم ويومئذ لا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها
خيراً" وعن ابن أبي أوفى رضي اللَّه تعالى عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه
قال "ستأتي عليكم ليلة مثل ثلاث ليال من لياليكم هذه، فإذا كانت تلك الليلة عرفها
المتهجدون فيقوم للرجل فيقرأ ورده ثم ينام ثم يقوم فيقرأ ورده ثم يقوم فيقرأ ورده،
فبينما هم كذلك إذ ماج الناس بعضهم في بعض فيقولون ما هذا؟ فيفز عون إلى المساجد
فإذا هم بالشمس قد طلعت من مغربها فتجيء حتى إذا توسطت السماء رجعت فطلعت من مشرقها
فذلك قوله تعالى {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ}
الآية.
وعن أبي هريرة رضي
اللَّه عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال "الأنبياء أخوة العلات أمهاتهم
شتى ودينهم واحد وأنا أولاهم بعيسى ابن مريم إنه لم يكن بيني وبينه نبي وإنه خليفتي
في أمتي وإنه نازل فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية وتضع الحرب أوزارها
فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، حتى يرعى الأسد مع الإبل والنمر
مع البقر والذئب مع الغنم وحتى يلعب الصبيان بالحيات" وعن عبد اللَّه بن عمر رضي
اللَّه تعالى عنهما أنه قال: "ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام فإذا رآه الدجال ذاب
كما يذوب الشحم فيقتل الدجال وتتفرق عنه اليهود فيقتلون حتى إن الحجر ليقول يا عبد
اللَّه المسلم هذا يهودي توارى تعال فاقتله". وعن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه
عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال "إن يأجوج ومأجوج يحفرون الردم كل يوم حتى
إذا كادوا أن يروا شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غداً فيعيده اللَّه
كما كان، حتى إذا بلغت مدتهم حفروا حتى إذا كادوا يروا شعاع الشمس قال الذي عليهم
ارجعوا فستحفرونه غداً إن شاء اللَّه فيعودون إليه وهو كهيئته التي تركوها بالأمس
فيخرجون على الناس فينشفون المياه، ويتحصن الناس في حصونهم منهم فيبعث اللَّه عليهم
نغفاً في أعناقهم فيهلكهم اللَّه بها". وعن أبي سعيد رضي اللَّه تعالى عنه قال:
"ليحجن البيت وليغرسن الشجر بعد يأجوج ومأجوج". وعن عبد اللَّه بن سلام رضي اللَّه
تعالى عنه قال: ما مات الرجل من يأجوج ومأجوج إلا ترك له ألف ذرية فصاعدا من صلبه.
وعن الحسن البصري رحمه اللَّه تعالى أنه قال: بلغنى أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم
قال "إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه
ويصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع فيها أقوام
دينهم بعرض من الدنيا قليل" وروى العلاء عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه عن
النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال "بادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تظهر ست: طلوع
الشمس من مغربها، والدجال، والدخان، والدابة: وخاصة أحدكم: يعني الموت، وأمر
العامة: يعني يوم القيامة".
وعن عبد اللَّه بن ساباط أن النبي صلى اللَّه عليه
وسلم قال "إنه سيكون فيكم الخسف والمسخ والقذف قالوا يا رسول اللَّه وهم يشهدون أن
لا إله إلا الله؟ قال نعم إذا ظهرت فيهم الأربع: القينات، والمعازف، والخمور،
والحرير" وعن أبيّ بن كعب رضي اللَّه تعالى عنه في قوله تعالى {قُلْ هُوَ القَادِرُ
عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ
أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} قال
هي خلال أربع وهن واقعات لا محالة، فمضت ثنتان بعد وفاة رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم بخمس وعشرين سنة فألبسوا شيعاً يعني الأهواء المختلفة وذاق بعضهم بأس
بعض، وثنتان واقعتان لا محالة الخسف والرجف". وروى "أنه لما نزلت هذه الآية دعا
النبي صلى اللَّه عليه وسلم فعفى عن اثنتين الخسف والمسخ، وبقي اثنان وهما الأهواء
والبأس". وروى الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال: بينما رجل يحدث في المسجد قال:
إذا كان يوم القيامة نزل دخان من السماء فأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم وأخذ
المؤمنين منه كهيئة الزكام. قال مسروق: فدخلت على عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه
تعالى عنه فذكرت ذلك له وكان متكئاً فاستوى قاعداً ثم قال: أيها الناس من كان منكم
عنده علم فسئل عنه فليقله ومن لم يكن عنده فليقل اللَّه أعلم، إن اللَّه تعالى قال
لنبيه صلى اللَّه عليه وسلم {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا
أَنَا مِنْ المُتَكَلِّفِينَ} وذلك أن قريشاً لما كذبوا رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم قال: "اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف، اللهم
سنين كسني يوسف، فأخذتهم السنة
فأكلوا فيها العظام
والمنية من الجهد حتى جعل أحدهم يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان من الجوع،
فذلك قوله تعالى {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ
مُبِينٍ}.
قال: حدثني أبي رحمه اللَّه حدثنا أبو عبد الرحمن عن أبي الليث حدثنا
أبو بكر بن يحيى عن حفص عن عبد الرحمن بن إبراهيم الراسي عن مالك عن نافع عن ابن
عمر رضي اللَّه تعالى عنهما قال: كتب عمر رضي اللَّه تعالى عنه إلى سعد بن أبي وقاص
وهو بالقادسية أن وجه نضلة بن معاوية إلى حلوان، فوجه سعد نضلة في ثلثمائة فارس
فخرجوا حتى أتوا حلوان فأغاروا على نواحيها وأصابوا غنيمة وسبباً، فرجعوا فجعلوا
يسرقون العنيمة والسبي حتى نزلوا إلى سطح جبل، ثم قام نضلة فأذن للصلاة وقال:
اللَّه أكبر اللَّه أكبر، فإذا مجيب من الجبل يجيبه كبرت كبيراً يا نضلة، ثم قال:
أشهد أن لا إله إلا الله، قال: هي كلمة الإخلاص يا نضلة، ثم قال: أشهد أن محمداً
رسول الله، قال: هو الذي بشرنا به عيسى عليه السلام، ثم قال: حيّ على الصلاة، قال:
طوبى لمن مشى إليها وواظب عليها، ثم قال: حيّ على الفلاح، قال: أفلح من أجاب محمداً
صلى اللَّه عليه وسلم، ثم قال: اللَّه أكبر اللَّه أكبر لا إله إلا الله، قال:
أخلصت إخلاصاً يا نضلة فحرّم اللَّه بها جسدك على النار، فلما فرغ من آذانه قال: من
أنت رحمك اللَّه أملك أنت أما ساكن من
الجن أم طائف من عباد اللَّه أسمعتنا صوتك
فأرنا صورتك فإن وفد اللَّه عز وجل ووفد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ووفد عمر
بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه، فإذا شيخ له هامة كالرحا أبيض الرأس واللحية عليه
طمران من صوف فقال: السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته فقلنا وعليك السلام والرحمة،
من أنت رحمك الله؟ قال: أنا زرنب بن يرعلا وصى العبد الصالح عيسى ابن مريم عليه
الصلاة والسلام، اسكنني هذا الجبل ودعا لي بطول البقاء إلى وقت نزوله من السماء،
فأما إذا فاتني لقاء محمد صلى اللَّه عليه وسلم فأقر تواً عمر مني السلام وقولوا له
يا عمر سدد وقارب فقد دنا الأمر، وأخبروه بهذه الخصال التي أخبركم بها إذا ظهرت في
أمة محمد صلى اللَّه عليه وسلم فالهرب الهرب: إذا استغنى الرجال بالرجال والنساء
بالنساء وانتسبوا إلى غير مناسبهم، ولم يرحم كبيرهم صغيرهم ولم يوقر صغيرهم كبيرهم،
وتركوا الأمر بالمعروف فلم يأمروا به وتركوا النهي عن المنكر فلم ينهوا عنه، ويتعلم
عالمهم العلم ليجلب به الدنانير، والدراهم، وكان المطر قيظاً: يعني أيام الصيف،
والولد غيظاً: يعني يغيظ والديه، ويفيض اللثام فيضاً ويغيض الكرام غيضاً: يعني
يقلون، وشيدوا البناء واتبعوا الهوى وباعوا الدين بالدنيا واستخفوا بالدماء وقطعوا
الأرحام وباعوا الحكم، وطولوا المنارات وفضضوا المصاحف وزخرفوا المساجد، وأظهروا
الرشا وأكلوا الربا وصار الغنى عزيزاً وركب النساء السروج ثم غاب عنا. وذكر أن
سعداً خرج بعد ذلك في أربعة آلاف رجل فنزل هناك أربعين يوماً يؤذن لكل صلاة فلم
يسمع جواباً ولا كلاماً والله الموفق.